2 /3 القسم الثاني
حول تعدد الروايات الرسمية المُتعلقة بالعلم التونسي
à propos de la multitude de versions officielles relatives à l'histoire du drapeau tunisien
يطرحُ هذا الكتاب الجديد قضية اختلاف
الروايات الرسمية المُتعلقة بتاريخ العلم الوطني وعدم دقة البعض منها .
فالثابت حسب مُختلف المصادر الرسمية، ان العلم التونسي عثماني الأصول وعسكري النشأة ورسمي الولادة وديني الأشكال وأنه قد اعتُمِدَ تدريجيا بين سنتي 1831 و1840 من قبل البايات الحسينيين.
فالثابت حسب مُختلف المصادر الرسمية، ان العلم التونسي عثماني الأصول وعسكري النشأة ورسمي الولادة وديني الأشكال وأنه قد اعتُمِدَ تدريجيا بين سنتي 1831 و1840 من قبل البايات الحسينيين.
اولا : التفاصيل الغائبة
هنالك معلومات شحيحة و"روايات" مُختلفة فيما يتعلق بتحديد تاريخ معين للاعتماد الرسمي لهذا العلم ولظروف ذلك الاعتماد ولشكله الأصلي ولتطوراته و...وحتى لبعض رُموزه ..،
فيما يتعلق بالسنة : يُحدد الموقع الرسمي للحكومة التونسية سنة 1831[1]، كتاريخ لاعتماد تونس لعلم وطني، ولكن عديد المراجع تُشكك في هذا التاريخ وتذكُره بحذر، أو تذكر، بدلا عنه، سنة 1835 أو 1837[2] في حين لا يحدد المتحف العسكري الوطني بِمَنوبة، سنة مُعيّنة ولكنه يُشير الى بداية اعتماده تدريجيا في عهد مصطفي باي 1835-1837 ويُؤكد إعتماده بشكل رسمي في عهد أحمد باي 1837-1855 .[3]
أما فيما يتعلق بالشكل : بخلاف ما يذكره كتاب "العلم التونسي" يعتبر المتحف العسكري ان الهلال هو الشكل الأساسي في الأعلام الحسينية مُؤكدًا ان أحمد باي أدخل تغيبرين هامين يتمثلان في اعتماد نجمة ذات خمسة مُذنبات عوضا عن ستة واعتماد اللون الأحمر الفاقع بدلا من الأحمر العادي [4].
فيما يتعلق بالظروف : لا توجد على إجابة شافية حول أسباب اعتماد هذا العلم في ثلاثينات القرن 19 تحديدًا في حقبة عرفتْ تدعيم "التقارب" بين العائلة الحُسينية والجارة الجديدة : فرنسا. ويقدم كتاب "العلم التونسي" رواية تؤكد على ان هذا العلم "وطني تونسي" ولكنه مُقتبس عن العلم العثماني .
فيما يتعلق بالرموز : فهي وان كانت مفقُودة في الموقع الرسمي للحكومة ولا يَسنِدُها أي نص قانوني[5] فإنها معروفة وقد ذكرها كتاب "العلم التونسي"، غير أن موقع السفارة التونسية بباريس يزعم ان " لونه الاحمر ..يُذكر بالحملة التركية لسنة 1574 "[6] فهل يعقل ان يذكر لون العلم الوطني بدماء جنود أجانب ؟ .[7]
ثانيا : فيما يتعلق بتعدد الأعلام التونسية
باستثناء الأعلام الحسينية وخاصة العلم المُعتمد حاليا، لا يُوجد في المراجع الرسمية اي علم آخر والحال ان أعلاما عديدة منسوبة
الى تونس
القرطاجنية والرومانية والبيزنطية والعربية[8] وحتي تلك العثمانية رغم ان كتب التاريخ تذكر عدة اعلام خاصة بدول مُعينة ويؤكد ابن خلدون في مقدمته ( القرن الرابع عشر) تعدد الرايات التونسية[9] وهو رأي يدعمه عدد من المؤرخين المُختصين [10].
فلماذا لا تُوجد في المواقع الرسمية صور تلك الأعلام التي كانت تُرفرفُ فوق هذه البلاد منذ قرطاج ؟.
لماذا تبدو بعض الروايات الرسمية مُركزة او مُقتصرة على هذا العلم؟ لماذا تميل الى المُبالغة في تأكيد عراقة هذا العلم الحسيني ؟ او ليست عراقة الأعلام التونسية ( وما تُمثله ) أهم من عراقة علم مُحدد ؟ أليس من المهم ايضا ادراك التطورات التي عرفها العلم وأسبابها ورهاناتها.؟
فالعلم التونسي تغير ككل الأعلام حسب الظروف والأحداث حتي منتصف القرن التاسع عشر ومنذ هذا التاريخ، "تجمد" في شكله الحالي تقريبا. ولقد كان علم الولاية العثمانية بتونس ثم وبين 1881 و1956، علم الايالة التونسية الواقعة تحت الإحتلال الفرنسي وعلم حركة التحرر الوطني ثم وبداية من 1956 علم المملكة التُونسية المُستقلة ثم وفي 25 جويلية 1957، أضحى علم الجمهورية التونسية ومنذ غرة جوان 1959، أصبح "دستوريا"[11] ويبدو انه قبل كل ذلك كله كان أحد أعلام الدولة العثمانية ...
فكيف يُمكن تفسير وجود علم ثابت لدولة عرفت اكثر من احتلال واكثر من نظام حكم واكثر من شعار...وتغيرت مساحتها وحدودها ؟
هذا ما لا تجيب عنه الروايات الرسمية المشار اليها سابقا ولكن وبعيدا عن التاريخ وتفاصيله وتأويلاته، فان الأمر الثابت اليوم، أنه لا يُوجد في العالم أي علم "يحتفل" بعلم دولة اجنبية ( دولة "احتلال"سابق)، ويُشبهه مثل ما هو شأن العلم التونسي مع العلم التركي [12].
واذا كان في هذا العلم، عند اعتماده، تأكيد لمقُولة ابن خلدون "المغلوب مُولع بالإقتداء بالغالب في شعاره وزيه ونحلته وسائر أحواله وعوائده"، فماذا يُمثل هذا التشابه اليوم ؟ بل ماذا يمثل العلم الوطني اليوم لدى الأطفال التونسيين ؟ وهل يرمزُ لديهم الي قيم مُشتركة والى أحلام جماعية [13] ؟ .
فلماذا لا تُوجد في المواقع الرسمية صور تلك الأعلام التي كانت تُرفرفُ فوق هذه البلاد منذ قرطاج ؟.
لماذا تبدو بعض الروايات الرسمية مُركزة او مُقتصرة على هذا العلم؟ لماذا تميل الى المُبالغة في تأكيد عراقة هذا العلم الحسيني ؟ او ليست عراقة الأعلام التونسية ( وما تُمثله ) أهم من عراقة علم مُحدد ؟ أليس من المهم ايضا ادراك التطورات التي عرفها العلم وأسبابها ورهاناتها.؟
فالعلم التونسي تغير ككل الأعلام حسب الظروف والأحداث حتي منتصف القرن التاسع عشر ومنذ هذا التاريخ، "تجمد" في شكله الحالي تقريبا. ولقد كان علم الولاية العثمانية بتونس ثم وبين 1881 و1956، علم الايالة التونسية الواقعة تحت الإحتلال الفرنسي وعلم حركة التحرر الوطني ثم وبداية من 1956 علم المملكة التُونسية المُستقلة ثم وفي 25 جويلية 1957، أضحى علم الجمهورية التونسية ومنذ غرة جوان 1959، أصبح "دستوريا"[11] ويبدو انه قبل كل ذلك كله كان أحد أعلام الدولة العثمانية ...
فكيف يُمكن تفسير وجود علم ثابت لدولة عرفت اكثر من احتلال واكثر من نظام حكم واكثر من شعار...وتغيرت مساحتها وحدودها ؟
هذا ما لا تجيب عنه الروايات الرسمية المشار اليها سابقا ولكن وبعيدا عن التاريخ وتفاصيله وتأويلاته، فان الأمر الثابت اليوم، أنه لا يُوجد في العالم أي علم "يحتفل" بعلم دولة اجنبية ( دولة "احتلال"سابق)، ويُشبهه مثل ما هو شأن العلم التونسي مع العلم التركي [12].
واذا كان في هذا العلم، عند اعتماده، تأكيد لمقُولة ابن خلدون "المغلوب مُولع بالإقتداء بالغالب في شعاره وزيه ونحلته وسائر أحواله وعوائده"، فماذا يُمثل هذا التشابه اليوم ؟ بل ماذا يمثل العلم الوطني اليوم لدى الأطفال التونسيين ؟ وهل يرمزُ لديهم الي قيم مُشتركة والى أحلام جماعية [13] ؟ .
سبتمبر 2006.
[1]الموقع الرسمي للحكومة، شحيح من حيث المعلومات ويعرض صورة وحيدة ويكتفي بذكر اسم الباي الذي اعتمد هذا العلم مع الإشارة
[1]الموقع الرسمي للحكومة، شحيح من حيث المعلومات ويعرض صورة وحيدة ويكتفي بذكر اسم الباي الذي اعتمد هذا العلم مع الإشارة
الى ترتيبه في السلالة الحسينية بصيغة تحرص على إبراز "السبق التاريخي " منذ 1831 تتمتع تونس بعلم وطني اعتمده حسين الأول ثامن بايات العائلة الحسينية" والمقصود هنا هو حسين باي الثاني 1824-1835 وليس حسين بن على التركي 1705 – 1735 مؤسسة الدولة الحسينية .
[2] اضافة الي الموسوعات فان الموقع الرسمي للجامعة الدولية لجمعيات دراسة الأعلام ( أعلام يُشير بحذر الى سنة 1831، وهو أحد أهم المواقع المختصة و يُوفر كماّ هائلا من المعلومات المُحينة والمراجع والصور الدقيقة ومنها صفحات خاصة بالعلم التونسي .
[3] لم يرد أي ذكر للعلم بالنُصُوص الدستورية الأولى : عهد الامان و دستور 1861 غير انه ظهر سنة 1860 بالصفحة الأولى للجريدة الرسمية الرائد التونسي.
[4] " بدأ ظهور العلم التونسي بشكله الحالي ورموزه في القرن السادس عشر ميلادي وكان الهلال هو الرمز الأساسي للعلم التونسي وفي سنة 1835-1837 في عهد مصطفي باي واحمد باي ( 1837-1856) تم استعماله في مختلف أفواج الجيش وفي الاحتفالات الرسمية وبأمر من أحمد باي اصبح العلم التونسي يحمل النجمة ذات الخمس مذنبات وحدد اللون الأحمر بالأحمر الفاقع " المتحف العسكري الوطني / منوبة ، أوت 2006.
[5] المرجع القانوني الوحيد المُتعلق بالعلم هو قانون أساسي يُحدد مُواصوات العلم وحجمه وأقيسته ولونه (قانون اساسي عدد 56 لسنة 1999 مؤرخ في 30 جوان 1999) وقد اثار هذا القانون نقاشات هامة تجاوزت موضوع القانون ومضمونه "التقني" كما تؤكده المداولات المدونة بموقع مجلس النواب.. فقد تحدث أحد النواب عن "تواصل مع النظام السابق " وذهب الى حد اعتبار ان " العلم والراية التونسية ليست براية الجمهورية بقدر ما هي راية الولاية العثمانية ..."
[6] منذ بداية القرن السادس عشر تداول الأسبان والأتراك على احتلال تونس فرفرف العلم الإسباني بين 1535 و 1569 ليعود من سنة 1573 الى سنة 1574 تاريخ فرض سنان باشا الرايات العثمانية فوق ميناء حلق الوادي .
[7] هذه الرواية خطيرة، لانها تجعل من هذا العلم، علم نفي لهوية إسبانية ورمز إلحاق بالعثمانيين وليس علم إثبات هوية مستقلة و تأكيد انتماء وطني.
[8] وحسب موقع حكام فقد اعتمدت بعض الاعلام العربية اشكال ورموز بربرية .
[9] الفصل 63 المُتعلق بـ" شارات الملك والسلطان الخاصة به" " ص 357، المقدمة ،دار القلم بيروت الطبعة الرابعة 1981.
[10] "التاريخ العام لتونس" الجزء الثاني : العصور الوسطي بتونس جعيط والطالبي والدشراوي وذويب ومرابط ص 393 ، الجنوب للنشر ، تونس 2005.
[11] الفصل الرابع من الدستور الصادر في 1959.
[12] فحتي قبرص التركية غير المُعترف بها دوليا، فلها هوية بصرية أبعد عن العلم التركي من تلك التي تفصل العلم التونسي عن أبيه التركي.
[13] «L'esprit donne l'idée d'une nation; mais ce qui fait sa force sentimentale, c'est la communauté de rêve». Andre Malraux, La tentation de l'Occident
[2] اضافة الي الموسوعات فان الموقع الرسمي للجامعة الدولية لجمعيات دراسة الأعلام ( أعلام يُشير بحذر الى سنة 1831، وهو أحد أهم المواقع المختصة و يُوفر كماّ هائلا من المعلومات المُحينة والمراجع والصور الدقيقة ومنها صفحات خاصة بالعلم التونسي .
[3] لم يرد أي ذكر للعلم بالنُصُوص الدستورية الأولى : عهد الامان و دستور 1861 غير انه ظهر سنة 1860 بالصفحة الأولى للجريدة الرسمية الرائد التونسي.
[4] " بدأ ظهور العلم التونسي بشكله الحالي ورموزه في القرن السادس عشر ميلادي وكان الهلال هو الرمز الأساسي للعلم التونسي وفي سنة 1835-1837 في عهد مصطفي باي واحمد باي ( 1837-1856) تم استعماله في مختلف أفواج الجيش وفي الاحتفالات الرسمية وبأمر من أحمد باي اصبح العلم التونسي يحمل النجمة ذات الخمس مذنبات وحدد اللون الأحمر بالأحمر الفاقع " المتحف العسكري الوطني / منوبة ، أوت 2006.
[5] المرجع القانوني الوحيد المُتعلق بالعلم هو قانون أساسي يُحدد مُواصوات العلم وحجمه وأقيسته ولونه (قانون اساسي عدد 56 لسنة 1999 مؤرخ في 30 جوان 1999) وقد اثار هذا القانون نقاشات هامة تجاوزت موضوع القانون ومضمونه "التقني" كما تؤكده المداولات المدونة بموقع مجلس النواب.. فقد تحدث أحد النواب عن "تواصل مع النظام السابق " وذهب الى حد اعتبار ان " العلم والراية التونسية ليست براية الجمهورية بقدر ما هي راية الولاية العثمانية ..."
[6] منذ بداية القرن السادس عشر تداول الأسبان والأتراك على احتلال تونس فرفرف العلم الإسباني بين 1535 و 1569 ليعود من سنة 1573 الى سنة 1574 تاريخ فرض سنان باشا الرايات العثمانية فوق ميناء حلق الوادي .
[7] هذه الرواية خطيرة، لانها تجعل من هذا العلم، علم نفي لهوية إسبانية ورمز إلحاق بالعثمانيين وليس علم إثبات هوية مستقلة و تأكيد انتماء وطني.
[8] وحسب موقع حكام فقد اعتمدت بعض الاعلام العربية اشكال ورموز بربرية .
[9] الفصل 63 المُتعلق بـ" شارات الملك والسلطان الخاصة به" " ص 357، المقدمة ،دار القلم بيروت الطبعة الرابعة 1981.
[10] "التاريخ العام لتونس" الجزء الثاني : العصور الوسطي بتونس جعيط والطالبي والدشراوي وذويب ومرابط ص 393 ، الجنوب للنشر ، تونس 2005.
[11] الفصل الرابع من الدستور الصادر في 1959.
[12] فحتي قبرص التركية غير المُعترف بها دوليا، فلها هوية بصرية أبعد عن العلم التركي من تلك التي تفصل العلم التونسي عن أبيه التركي.
[13] «L'esprit donne l'idée d'une nation; mais ce qui fait sa force sentimentale, c'est la communauté de rêve». Andre Malraux, La tentation de l'Occident
Lire la suite ...!