2013/10/12

الموت في لامبيدوزا : إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ

في سبعينات القرن العشرين، كانت حسرة المثقف التونسي كبيرة لرؤية "شباب على الوطن غالي" يُشحنُ في البواخر الى "الغربة" في ظروف سيئة تجعل

"الفرق بينو وبين البقر جواز السفر

" . وقد كان جواز السفر، بالنسبة الى الفقراء من التونسيين والأفارقة، يختزل كل احلام الشباب اذ كان رمزا للجنة الموعودة وعنوانا لـ"موسم الهجرة الى الشمال".

وظل جواز السفر وطيلة عدة عقود يُعطي الانطباع للمهاجرين الفقراء بأنهم متساوون مع الغربيين في الحقوق وأولها الحق في السفر الى أن تضخمت "التأشيرة" فاغتالت جواز السفر وافرغته من أي رمزية.

وفي ثمانينات القرن العشرين وباسم القيم الانسانية التي كان جواز السفر يدعي تمثيلها، ثار محمود درويش على جواز لا يجيز أي شيء للاجئ الفلسطيني، فلقد تبين ان جواز السفر هو مجرد وثيقة سياسية تعكس التوازنات الدولية القائمة فصاح درويش حالما :

"فلتسقطوا عني جواز السفر

" . ربما لم يخطر ببال محمود درويش وهو يكتب "

كل قلوب الناس جنسيتي فلتسقطوا عني جواز السفر

" ، ان ثورة اللاجئيين الفلسطينيين ضد جواز السفر ستتواصل  بعد 30 سنة في لامبيدوزا وبمضامين انسانية ومن قبل مواطني دول "مستقلة".
 يبدو اليوم ان الشباب (التونسي والافريقي) الحارق الى "اوروبا" في وضع ابشع مما كان عليه وضع المهاجر (التونسي الفقير) واللاجئ (الفلسطيني المطارد) واشبه بوضع العبيد عند ترحيلهم الى العالم الجديد .
 ان هؤلاء الشبان مجبرون على "الاستشهاد" بدون قضية وبدون هدف وبدون جنازة ولا ضجيج سواء نجحوا في عبور المتوسط او دفنوا في اعماقه. 
حين مات "جواز السفر"، عوضته "التأشيرة" التى سرعان ما اصبحت هي الحلم والأمل في الاحياء الشعبية وفى الفن الشعبي وخصصت لها قصائد وأفلام .
 وبعد ان كان الفن الشعبي بالفيزا ،بدأ يذهب في تمرده الى ابعد مما ذهب اليه درويش من رفض جواز السفر .

"ان مأساة الفقر والبطالة وغياب الامل سبب وحيد وكافي لتبرير الحرقة .

  ان النسق الذى تتطور به ظاهرة الحرقة كميا ونوعيا، وخاصة "الشرعية" التى تتمتع بها لدى الشباب وبداية انتشارها لدى فئات اجتماعية جديدة من النساء واصحاب الشهائد الجامعية، قد يحولها الى ظاهرة "بطولية" واحتجاجية ضد النفاق الغربي
لم يعد جواز السفر وتأشيرته حلما ولم يعد الموت تحت أسوار "العنصرية" الغربية الجديدة موتا عاديا بل هو استشهادًا وهو ليس لدى الشباب الحارق إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وبذلك تتجه "الحرقة" لتكون احتجاج سياسي وثورة على "عبودية جديدة" في أوطان افريقية مُستعمرة ثرواتها وضد اوروبا عنصرية قوانينها. لم يعد جواز السفر لا رمز ايجابي (  كما في البابور زمر) ولا رمز سلبي ( غربة وظلم كما في جواز السفر ) فقد حرقته "الحرقة" واسقطته نهائيا ولعل تزايد عدد "الشهداء" في طريقه اليوم نحو اسقاط عدة مفاهيم تقليدية مُتعلقة بالوطن والمواطنة والعبودية والتحرر والاستقلال والتبعية وبحقوق الانسان .

ان ما يدافع عنه شهداء "لمبيدوزا" اكبر من مجرد الشفقة على بعض الجياع انهم لا يطالبون بحقوق فردية انهم يفضحون استقلال مزيف وثروات منهوبة وتنمية مغشوشة وحقوق دولية كاذبة انهم يثورون ضد عبودية غربية جديدة تنهب ثرواتهم وتجعل اوطانهم سجونا مفتوحة .
الهادي قلة في اغننته الشهيرة "بابور زمر" http://www.youtube.com/watch?v=uCpZ3JBCVSw "لم يعرفوني في الظلال التي تمتص لوني في جواز السفر شعر محمود درويش وغناء مارسال خليفة جواز السفر http://www.youtube.com/watch?v=BZ09gfypyEs
Lire la suite ...!