من النرويج الي الجزائر مُرورا بماليزيا واندونيسيا، فان مهام المؤسسة الوطنية للبترول، واضحة قانونيا وعمليا الا في تونس...وهذه المؤسسة الإستراتيجية تُسير في جميع الدول من قبل كفاءات عالمية الا في تونس ...وهي في جميع الدول تنشر بعض الأرقام والتقارير وتهتم بها الصحافة ويتابعها المُختصون، الا في تونس ....وهي من أول المؤسسات التي يُغيرٌ مسؤولوها بعد سقوط الدكتاتوريات ( مثل اندونيسيا سنة 1998 ) الا في تونس....
ثم ان جل القطاعات الاقتصادية هاجمها النقابيون سواء التابعين لجراد او لمعارضيه، إلا قطاع البترول فيتفق الجميع مع الحكومة على عدم التعرض اليه بالنقد بل يُزايد البعض فيؤكد نظافته وخلوه من الطرابلسية ومن الفساد...
أليس غريب هذا المشهد؟ ان هذا الاستثناء البترولي مٌريب...ولكن ليس هذا موضوع هذه البطاقة فسأعود لقضايا الفساد لاحقا.
أريد أن أتوجه الى كل الزملاء بشيء من التذكير. فحين بادرت مجموعة من أعوان المؤسسة برفض ما أعد في الكواليس وطالبوا بحقهم في التعبير عن رأيهم والمشاركة في اخذ القرارات، ظن البعض بأن المبادرة تستهدف تقسيم النضال وضرب وحدة الصف النقابي وتهميش المطالب ...الخ وحين رفعت نفس المجموعة في لائحة يوم 10 فيفري 2010 خمسة مطالب نوعية ( تتراوح بين مقاومة الفساد وإعادة هيكلة المؤسسة والحق في الإعلام... ) أعلن البعض أنها مطالب نخبوية ضيقة وتقنية وغير مفهومة وليس حولها إجماع قاعدي...الخ.
في انتظار تشكيل "لجنة مقاومة الرشوة وتجاوز السلطة " المعلن عنها منذ شهر لمدها بما نملك من وثائق ومعلومات تقنية تقدر رهاناتها بالمليارات، أكتب اليوم وبصفتي الشخصية عن نوع آخر من الإجرام الذي لا يقل فظاعة عن الإجرام المالي وهو لا يحتاج الى أي إثبات او فلسفة لانه خبزنا اليومي .
سأذكر بعض الأمثلة فقط واترك لكم حرية إضافة امثلة أخرى قد أكون نسيتها او لم أجد الشجاعة لذكرها وهي تؤكد مَؤسَسَة الإجرام ضد الذات البشرية وضد قيم الكرامة والاحترام والمساواة في تسيير المؤسسة وفروعها .
فأنا لا أتحدث عن أخطاء فردية أو معزولة أو عن أشخاص يمكن عزلهم بل عن نظام تسيير متخلف وعن ممارسات ممنهجة ومقصودة .
فبعد شهر كامل من الثورة وبعد ان حصلت عدة تطورات بالبلاد وداخل عديد المؤسسات وبعد ان اسقطت ثورتنا مسؤولين ورؤساء دول ، لا تزال مؤسستنا تغط في نوم سريالي ولا تزال مُنقطعة عن البترول ومنطقه وعن الثورة وأولوياتها فهي لا تزال تتصرف اعتمادا على أدواتها القديمة المُتخلفة مثل :
• "الفريجيدار" والتكسير وتحطيم الأشخاص وإهانتهم وعزل بعض الكفاءات بدون مُوجب والانتقام والتشفي من بعض الأعوان خارج إطار القانون وبغير مُوجب او إجراء تأديبي...انها سياسة "أنا ربكم الأعلى" و"كول ولى كسر قرنك "
• المساومة والتهديد ومُحاولة شراء الذمم وترويج الإشاعات وسياسة فرق تسد وتجنيد "القوادة"..الخ
• رفض تقديم اي مبادرة في اتجاه الاعتراف بالأخطاء او فتح تحقيقات أو وضع برامج إصلاح
• الإصرار على لعب "الوقت الضائع" وعدم التضحية بأي رمز من رموز الفساد سواء بالمؤسسة او بفروعها
• مُواصلة سياسة التعتيم الإعلامي الشامل حول ما يحصل ببعض الفروع او ما يدور في الكواليس او مع يتم من مشاورات مع وزارة الإشراف او مع بعض الاطراف.
• رفض حقنا الطبيعي في الحديث عن القطاع وعن الفساد وعن الكرامة ومُحاولة اختزال مطالبنا الشرعية في بعض المطالب المادية الآنية والضيقة
• تجاهل كل الاتصالات والمقالات التي صدرت وعدم التعليق على اي من اللوائح الصادرة من قبل الأعوان ومحاولة الضغط على اصحابها بشكل فردي
• مواصلة اتخاذ قرارات إدارية اعتباطية مثل القرارات الأخيرة المتعلقة بالإلحاق
• مواصلة التدخل السافر لدى بعض الشركات الأجنبية لحثها ومُساومتها من أجل طرد بعض الكفاءات التي اختارت مُمارسة حقها في الاستقالة...فالإدارة تُمارس مع بعض الإطارات سياسة "في التراب ولا في كروش ولاد الايتاب".
• مواصلة استعمال التكوين والتسميات والإلحاق والامتيازات وغيرها من الحقوق...لتكريس الولاء والقفة والقوادة والبهامة والرضوخ للأوامر الشفاهية ...فهل يُعقل ان يُستعمل التكوين للعقاب والمجازاة ومن أجل تقسيم الأعوان بين "موالاة" و"معارضة" ؟
• مواصلة التفرد بالسلطة بما جعل عدة قرارات إستراتيجية تختزل في شطحات شخص او اثنين يأمرون فيُطاعون .
• الإصرار على الإبقاء على بعض الأشخاص ممن لا اختصاص لهم ولا خبرة في مواقع حساسة سواء داخل المؤسسة او في فروعها
• غياب اي سياسة للتداول على المناصب أو لتكوين المُعوضين واستغلال ذلك للقيام بانتدابات خارجية مُرتجلة وغير واضحة .
• مواصلة تكريس علاقات مشبوهة وغير مؤسستية مع مختلف الفروع وغياب الشفافية في المعاملات معها
• القيام بانتدابات مطعون في نزاهة بعضها،
• الابقاء على عديدي المنتدبين الجدد بدون آفاق وبدون عمل فعلي وبدون برامج تكوين او إدماج أو تأطير حقيقية
في الختام اقول أن لكل دولة رجالها ودون الطعن في الأشخاص فاني لا أعتقد ان الماسكين بقطاع الطاقة اليوم قادرين ان يتأقلموا مع مقتضيات المرحلة الجديدة.
فلقد خصصوا شهرا كاملا في التهديد والوعيد والتكنبين...ومُحاولة المُحافظة على الوضع السابق وفي الإثناء تغير وجه البلاد ولغة الحكومة فقد كنست الثورة التجمع ولغته وكنست عديد المسؤولين وقامت وزارات عدة بحملات تنظيف واذنت بفتح تحقيقات وقد أصبح لوزارة الداخلية مثلا صفحة فايس بوك يعد عشاقها بالآلاف وتحررت الصحافة ....الخ، أما عندنا فدار لقمان على حالها...وبعضهم لا يزال يهددنا بكل حزم ويبدو انه لم يصل بعد الي مستوى خطاب 13 جانفي الشهير فنحن في مؤسستنا، لم نصل بعد إلى "فهمتكم" ...
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire