من النرويج الي الجزائر مُرورا بماليزيا واندونيسيا، فان مهام المؤسسة الوطنية للبترول، واضحة قانونيا وعمليا الا في تونس...وهذه المؤسسة الإستراتيجية تُسير في جميع الدول من قبل كفاءات عالمية الا في تونس ...وهي في جميع الدول تنشر بعض الأرقام والتقارير وتهتم بها الصحافة ويتابعها المُختصون، الا في تونس ....وهي من أول المؤسسات التي يُغيرٌ مسؤولوها بعد سقوط الدكتاتوريات ( مثل اندونيسيا سنة 1998 ) الا في تونس....
ثم ان جل القطاعات الاقتصادية هاجمها النقابيون سواء التابعين لجراد او لمعارضيه، إلا قطاع البترول فيتفق الجميع مع الحكومة على عدم التعرض اليه بالنقد بل يُزايد البعض فيؤكد نظافته وخلوه من الطرابلسية ومن الفساد...
أليس غريب هذا المشهد؟ ان هذا الاستثناء البترولي مٌريب...ولكن ليس هذا موضوع هذه البطاقة فسأعود لقضايا الفساد لاحقا.
أريد أن أتوجه الى كل الزملاء بشيء من التذكير. فحين بادرت مجموعة من أعوان المؤسسة برفض ما أعد في الكواليس وطالبوا بحقهم في التعبير عن رأيهم والمشاركة في اخذ القرارات، ظن البعض بأن المبادرة تستهدف تقسيم النضال وضرب وحدة الصف النقابي وتهميش المطالب ...الخ وحين رفعت نفس المجموعة في لائحة يوم 10 فيفري 2010 خمسة مطالب نوعية ( تتراوح بين مقاومة الفساد وإعادة هيكلة المؤسسة والحق في الإعلام... ) أعلن البعض أنها مطالب نخبوية ضيقة وتقنية وغير مفهومة وليس حولها إجماع قاعدي...الخ.
في انتظار تشكيل "لجنة مقاومة الرشوة وتجاوز السلطة " المعلن عنها منذ شهر لمدها بما نملك من وثائق ومعلومات تقنية تقدر رهاناتها بالمليارات، أكتب اليوم وبصفتي الشخصية عن نوع آخر من الإجرام الذي لا يقل فظاعة عن الإجرام المالي وهو لا يحتاج الى أي إثبات او فلسفة لانه خبزنا اليومي .
سأذكر بعض الأمثلة فقط واترك لكم حرية إضافة امثلة أخرى قد أكون نسيتها او لم أجد الشجاعة لذكرها وهي تؤكد مَؤسَسَة الإجرام ضد الذات البشرية وضد قيم الكرامة والاحترام والمساواة في تسيير المؤسسة وفروعها .
فأنا لا أتحدث عن أخطاء فردية أو معزولة أو عن أشخاص يمكن عزلهم بل عن نظام تسيير متخلف وعن ممارسات ممنهجة ومقصودة .
فبعد شهر كامل من الثورة وبعد ان حصلت عدة تطورات بالبلاد وداخل عديد المؤسسات وبعد ان اسقطت ثورتنا مسؤولين ورؤساء دول ، لا تزال مؤسستنا تغط في نوم سريالي ولا تزال مُنقطعة عن البترول ومنطقه وعن الثورة وأولوياتها فهي لا تزال تتصرف اعتمادا على أدواتها القديمة المُتخلفة مثل :
• "الفريجيدار" والتكسير وتحطيم الأشخاص وإهانتهم وعزل بعض الكفاءات بدون مُوجب والانتقام والتشفي من بعض الأعوان خارج إطار القانون وبغير مُوجب او إجراء تأديبي...انها سياسة "أنا ربكم الأعلى" و"كول ولى كسر قرنك "
• المساومة والتهديد ومُحاولة شراء الذمم وترويج الإشاعات وسياسة فرق تسد وتجنيد "القوادة"..الخ
• رفض تقديم اي مبادرة في اتجاه الاعتراف بالأخطاء او فتح تحقيقات أو وضع برامج إصلاح
• الإصرار على لعب "الوقت الضائع" وعدم التضحية بأي رمز من رموز الفساد سواء بالمؤسسة او بفروعها
• مُواصلة سياسة التعتيم الإعلامي الشامل حول ما يحصل ببعض الفروع او ما يدور في الكواليس او مع يتم من مشاورات مع وزارة الإشراف او مع بعض الاطراف.
• رفض حقنا الطبيعي في الحديث عن القطاع وعن الفساد وعن الكرامة ومُحاولة اختزال مطالبنا الشرعية في بعض المطالب المادية الآنية والضيقة
• تجاهل كل الاتصالات والمقالات التي صدرت وعدم التعليق على اي من اللوائح الصادرة من قبل الأعوان ومحاولة الضغط على اصحابها بشكل فردي
• مواصلة اتخاذ قرارات إدارية اعتباطية مثل القرارات الأخيرة المتعلقة بالإلحاق
• مواصلة التدخل السافر لدى بعض الشركات الأجنبية لحثها ومُساومتها من أجل طرد بعض الكفاءات التي اختارت مُمارسة حقها في الاستقالة...فالإدارة تُمارس مع بعض الإطارات سياسة "في التراب ولا في كروش ولاد الايتاب".
• مواصلة استعمال التكوين والتسميات والإلحاق والامتيازات وغيرها من الحقوق...لتكريس الولاء والقفة والقوادة والبهامة والرضوخ للأوامر الشفاهية ...فهل يُعقل ان يُستعمل التكوين للعقاب والمجازاة ومن أجل تقسيم الأعوان بين "موالاة" و"معارضة" ؟
• مواصلة التفرد بالسلطة بما جعل عدة قرارات إستراتيجية تختزل في شطحات شخص او اثنين يأمرون فيُطاعون .
• الإصرار على الإبقاء على بعض الأشخاص ممن لا اختصاص لهم ولا خبرة في مواقع حساسة سواء داخل المؤسسة او في فروعها
• غياب اي سياسة للتداول على المناصب أو لتكوين المُعوضين واستغلال ذلك للقيام بانتدابات خارجية مُرتجلة وغير واضحة .
• مواصلة تكريس علاقات مشبوهة وغير مؤسستية مع مختلف الفروع وغياب الشفافية في المعاملات معها
• القيام بانتدابات مطعون في نزاهة بعضها،
• الابقاء على عديدي المنتدبين الجدد بدون آفاق وبدون عمل فعلي وبدون برامج تكوين او إدماج أو تأطير حقيقية
في الختام اقول أن لكل دولة رجالها ودون الطعن في الأشخاص فاني لا أعتقد ان الماسكين بقطاع الطاقة اليوم قادرين ان يتأقلموا مع مقتضيات المرحلة الجديدة.
فلقد خصصوا شهرا كاملا في التهديد والوعيد والتكنبين...ومُحاولة المُحافظة على الوضع السابق وفي الإثناء تغير وجه البلاد ولغة الحكومة فقد كنست الثورة التجمع ولغته وكنست عديد المسؤولين وقامت وزارات عدة بحملات تنظيف واذنت بفتح تحقيقات وقد أصبح لوزارة الداخلية مثلا صفحة فايس بوك يعد عشاقها بالآلاف وتحررت الصحافة ....الخ، أما عندنا فدار لقمان على حالها...وبعضهم لا يزال يهددنا بكل حزم ويبدو انه لم يصل بعد الي مستوى خطاب 13 جانفي الشهير فنحن في مؤسستنا، لم نصل بعد إلى "فهمتكم" ...
Lire la suite ...!
دماء الشهداء تغذي الانتهازية والضحالة والسُراق
ان الدماء التي سالت في تونس كانت تطالب بالعدالة وبتكافؤ الفرص وبالشفافية في التشغيل...فقد انطلقت الثورة ومنذ انتفاضة الحوض المنجمي كثورة من اجل فرض الحق في الشغل الكريم وضد المُمارسات المافيوزية المُهيمنة على الانتدابات بالمؤسسات العمومية وهي ممارسات غير خافية على احد وتهيمن عليها رائحة الرشوة والتجمع واتحاد الشغل والمافيا...
والي يوم 14 جانفي 2011 كانت الانتدابات بالمؤسسات العمومية الهامة وفروعها انتدابات إجرامية في حق المؤسسات والمستقبل والبلاد وكانت تكرس الضحالة والزبونية وتتعمد الاستهزاء بمبدأ المناظرة وبقيم الكفاءة والجدارة.
أرسلوا سيرة ذاتية لأكبر مهندس في العالم الي اي مناظرة بأتفه مؤسسة عمومية في تونس فلن تجيب الا أبناء المحضوضين ...اطلبوا قائمة " النقابيين " وعائلاتهم وأقاربهم المنتدبين ببعض الشركات العمومية المعروفة وفروعها سواء كانوا متعلمين ام اميين...
ان مهازل الانتدابات كمهازل الانتخابات يعرفها كل الوزراء والمسؤولين ولا تفرز غير الضحالة والفساد وكل هذه التجاوزات معلومة ومكشوفة وموثقة وهي لا تغذي سوى الحقد والكراهية والاستقالة الجماعية
نحن اليوم نعاني من مديرين فاسدين ولكني اعترف ان أغلبهم كان قد انتدب بطرق عادية وتدرج في الفساد حتي بلغ فيه درجات عالية أما اليوم فأنا أتسائل كيف سيُصبح مسؤولو الغد وقد انتدبوا منذ اليوم الأول وهم خبراء في الفساد وأساتذة في الوصولية وبعضهم له مشاريع موازية او ذات علاقة بالعمل.
عوض فتح هذه الملفات التف البعض على الموضوع بكلمة حق يراد بها باطل فنادوا باسم الثورة وبدعوى رفض المناولة وأشكال العمل الهش بترسيم من سرقوا أماكن غيرهم من العاطلين وممن لم ينجحوا في اي مناظرة .
طبعا انا لا أعمم ولا اشكك في عدالة قضية رفض المُناولة ورفض أشكال العمل الهش...ولكني لا اقبل ان تستغل قضايا نبيلة لخدمة أغراض حقيرة...
ان وقاحة بعض المسؤولين لا حدود لها فعوض الاختفاء والصمت وطلب العفو والقيام بنقد ذاتي يسارعون باستنفاذ كل ما بقي لديهم من انتهازية و"سقوطية" في جني خدمات "اللحظة الأخيرة" .
لن أطعن في كل المناظرات والانتدابات في المؤسسات العمومية وفروعها ولن أطالب بالتحقيق مع كل من اسقط "الأكفاء" من المناظرات لتعويضهم ببعض المحضوضات والمحضوضين ...ولكني أتسائل هل يجوز استعمال كلمة ثورة قبل عزل هؤلاء "الخماج" ؟...
حين استمعت لأول مرة لشعار "التشغيل استحقاق يا عصابة السراق" تأثرت الى حد البكاء...وللاسف فان الانتدابات قبل 14 جانفي او بعده تتم بنفس المحاصصة المافيوزية .
Lire la suite ...!
دفاعا عن الحرية :
وضد تفشي كل ألوان الجهالة والكراهية .
( رسالة الي سي خميس الخياطي حول مقاله "راب ..لتفشي الجهالة والكراهية")
(كتبت قبل 14جانفي وبعد الثورة ظننتُ انها أصبحت متجاوزة ولكني اكتشفت انها تعبر عن المرحلة الحالية أيضا خاصة وانها تنتهي بحلم مثالي جميل فقررتُ نشرها مع العلم اني اخذتُ بعين الإعتبار ملاحظات خميس الخياطي حول النسخة الأولى )
سيدي، منذ سنة تقريبا، خصّصتُم مقالكم " كليب الحرب النفسية وروبافيكيا السلفية" لأغنية رَاب مَغمُورة وجعلتمُوها جَديرة بالنشر والتنديد وقد تميز مقالكم آنذلك بـ"حيرة وثورة وغضب" وبالبحث والعثور على "نوايا إجرامية" ثم انتهي إلي الدعوة الي الاحتماء بقيم "الإسلام التونسي " (؟).
وفي إطار مُساندة بعض الفنانات والمثقفات، عُدتم إلي نفس الموضوع من خلال شتم أغنية رَاب جديدة لمُغني آخر وقد زدتم هذه المرة "في التنبُور نغمة " من خلال توظيف قضية عادلة ومنشورة ( في الثلب ) للترويج لجريمة خطيرة : التعدي علي الوطن .
1. تذكير بالأصول
• ان الأصل في الأشياء هو الإباحة وفي الفن الحرية وفي الصحافة والانترنات، هو النشر والنشر المُضاد والأصل في النقد الفني هو التعبير عن الرأي وليس الاستنجاد بالقوانين الزجرية.
• ان الأغنية التي اخترتم " مُحاكمتها "، ومهما كانت تفاهتها، تظل مُجرد أغنية انترناتية وليست مُخدرات او متفجرات .
• ان الوطن لا يحتاج صحفيين ينبشون في الانترنات عن أتفه الكليبات لمُحاكتها.
2. من يُحاكم ماذا ؟ وباسم إي قيم ؟
هل ان هذا الكليب هو أحقر أغنية راب تونسية؟ وعلى افتراض انه كذلك، فهل هو أتفه إنتاج " ثقافي" تونسي لسنة 2010 ؟
لدي قائمة في أعمال "ثقافية" تشكل كارثة ، لا بسبب ضحالتها شكلا ومضمونا فقط وإنما أيضا بسبب تبديدها للمال العام أو ترويجها من قبل بعض المؤسسات الرسمية على أنها " نماذج إبداعية ".
فوسائل الإعلام الرسمية وشبه الرسمية، تُروج لعديد الأعمال السخيفة بل أنها تبُث أحيانا ما يُشجعُ علي الكراهية والعنف والعنصرية وما ينسفُ أبسط قيم الجمهورية والمواطنة والمساواة...الخ .
ان المشهد الإعلامي والثقافي في تونس يتميز بالقحط والفراغ وبشيء من الفوضى وبغياب جهات مهنية فاعلة تسهر علي تنظيمه والارتقاء به أو على الأقل الحد من انحداره نحو "أسفل السافلين" .
سيدي من حقكم "مهاجمة " الأفكار السياسية والدينية لهذه الأغنية ولكن ليس من حقكم ولا من حق السلطة محاكمة اي اغنية او التلويح بمنع اي كليب لمُجرد انه تافه .
وعموما، فاذا كان لا بد من "مُحاكمات"، فان الجهة التي يجب مُحاكمتها ( سياسيا ) هي وزارة الثقافة وجل المؤسسات العمومية المسؤولة عن السياسة الثقافية ( تصورا وتخطيطا وتمويلا وتنفيذا وتقويما.. ) ذلك أنها تفتقد الي أهداف إستراتيجية واضحة والي مؤسسات فاعلة ويبدو انها تختزل السياسة الثقافية في مستوى التنشيط الثقافي وتختزل التنشيط في ارتجال برامج استهلاكية نمطية وتختزل البرمجة التنشيطية المُرتجلة في مستوى التنشيط الغنائي الركيك. فالسياسة الثقافية تُغيّبُ الثقافة كإبداع وتُهمّشُ بشكل مُتزايد البحث والتكوين والاختصاص والنقد...الخ.
خلاصة القول، ان الظروف الثقافية اليوم بالنسبة الي الإبداع الحُر ( إنتاجا وترويجا ) تبدُو أصعب مما كانت عليه طيلة الحكم العثماني وإبان الاحتلال الفرنسي اذ يكاد يستحيل اليوم ترويج شريط غنائي او ديوان شعر "غير رسمي"، واذا كان هذا حال الغناء والشعر فلا تسل عن الفنون المُكلفة .
فمن يتحمل مسؤولية إفراغ الساحة الثقافية وتفشي الضحالة والجهالة والكراهية ؟ من نَصّبَ الدُخلاء مسؤولين علي الإبداع ؟ ومن يحكم علي الفن بمنطق الولاء ؟ ومن حول الفنون الي دعاية ؟ من حول مركز الفن الحي الي نادي عسكري؟ وأين " الثقافة الموازية" ؟ اين ذهب الحراك الثقافي الذي عرفته الثمانينات ؟
سيدي نحن نعيش عصرا ثقافيا غريبا تغولت فيه الادراة الثقافية وهيمنت "الثقافة الادارية".
فهل حصل في زمن من الأزمان ومنذ الرومان، ان نجحت سلطة سياسية مركزية في فرض نفس الأغاني ( الرسمية وشبه الرسمية ) في كل المدن والأرياف وفي كل المناسبات والاعياد العامة منها والخاصة ولدي كل الطبقات والفئات ؟ .
فبعد تحويل شعار "الثقافة للجميع " الي شعار "نفس الثقافة للجميع "، يبدُو اننا اليوم انتقلنا الي شعار" نفس الضحالة للجميع" .
ومن جهة أخرى، نعيش ظروفا سياسية دولية مُحبطة تزامنت مع تنامي الفضائيات الوهابية فتراجع مستوى التسامح الي درجة أصبح معها يستحيل ترويج أغنيات كانت في بداية القرن تعتبر "عادية" وأصبح من الصعب علي اي مغني ان يُجاهر بأفكاره اذا كانت ضد القطيع .
فالظروف الدولية والسياسات الثقافية المُتعاقبة هي التي "ولدت" هذه الكليبات والتي وجدت جُمهور جاهزا ينتظرها مما يؤكد ان ما يستحق التحليل هو تنميط الاستهلاك الثقافي و"تشليك" الثقافة (بمفهومها الإبداعي) وتحويلها الي علف يُقدم في أوقات مضبوطة للبهائم لتستهلكه بمقادير معلومة.
يا سي خميس، انت تتحدث عن أغنية واحدة موجودة علي الانترنات وانا احدثك عن اذاعات وتلفزات لا تكتفي ببث التفاهات بل ترفع أحيانا الي مستوى النجوم بعض من ملئت أسمائهم صفحات الجرائم .
3. أين التسامح ؟ واين الموضوعية ؟
سيدي لعله من حقكم استعمال النعوت التي تريدون واطلاق الاحكام الذاتية فيما يتعلق بالنقد الفني اما وقد دخلتم مجال نقد الأفكار فالأمر مختلف بعض الشيء .
فانا، بخلافكم، افهم دوافع هذا الشاب الذي اصطدم بمؤسسات تبث دعاية ركيكة وخطابا ممجوجا وانا افهم انه يرفض التاريخ الرسمي المُدرس في المعاهد والكليات زانه يتوهم ان وراء كل شيء "مؤامرة " لانه يعرف ان الجمعيات والمجالات الثقافية "مُخترقة" ومُوظفة لصالح الدعاية الرسمية فهذا الشاب، ابن العقدين الماضيين، رضع منذ الحضانة، نفس الاناشيد والمناشدات فقام برد فعل من جنس الفعل المُسلط عليه من حيث درجة السطحية والسذاجة والعنف والانقطاع عن العصر وقيمه. فهل كنتم تأملون استواء الظل والعود أعوج ؟.
سيدي لستُم في حاجة للاستنجاد بمبادئ المونتاج والتذكير بخبرتكم الاربعينية لفضح ضحالة هذا الكليب ولا افهم تحقيركم لهذا الشاب لصغر سنه ( 24 سنة ) وان ما ذكرتموه عن افتقاد هذا الشاب الي "التجربة الحياتية والمعرفية" تهمة مضحكة في عالم الفن تعكس تحاملا يظهر خاصة من خلال :
• الشتم " فهو ... أجهل من حذائه"
• واعتباركم كل نقد " تعدي على الوطن والمواطنة" وخاصة نقده للعلم والنشيد الرسمي ( "أليس عدم الاعتراف براية البلاد وبنشيدها الوطني تعدي صارخ وعلني على تونس ومواطنيها ومؤسسات الجمهورية؟" ). فانتم تختمون المقال بإعادة صياغة التهمة في شكل تسائل بعد ان كانت في المقال تهمة قائمة الذات كاملة القرائن " (...فادا كان تعديه على شخصيات عمومية أمرا قابلا للنقاش، أليس استنقاصه من النشيد الوطني ورفضه الاعتراف بالعلم التونسي موقف لا علاقة له بالفن، ناهيك عن حرية الرأي والتعبير؟").
4. هل ان في نقد العلم الوطني "تعدي على الوطن والمواطنة"؟
صحيح ان إهانة العلم او النشيد الرسمي أو اي رمز وطني آخر أمر مرفوض (و يقع تحت طائلة القانون) ولكن إبداء الراي في الرموز الوطنية (مدي جمالية العلم او النشيد او مدى تعبير كل منهما عما هو تونسي وأساسي...) ، فهذا أمر مشروع بل هو من صُلب النقاش السياسي/الفني ولقد سبق للشاعر اولاد احمد ان انتقد النشيد الرسمي ( لانه يحتفل بالموت اكثر مما يحتفل بالحياة ) اما فيما يتعلق بالعلم فأحيلكم علي :
• نقاشات الكنديين قبل تغيير علمهم :
• تأكيد ميشال بلاتيني انه كان ولا يزال يرفض انشاد النشيد الرسمي الفرنسي لأنه " عنيف " وقد سبق له، فيما يتعلق بالتصفير ضد النشيد الرسمي الفرنسي، ان اعتبر الامر عاديا.
• وقد كان عزمي بشارة يرفض، ومن داخل الكنيسة، تحية العلم ويرفض النشيد الرسمي ولا يقف عند سماعه بل كان يرفض الدولة الإسرائيلية وخريطتها ودستورها دون ان يُحاكم من اجل ذلك.
• بعض الانتقادات الرسمية لهذا العلم من قيل نواب تجمعيبن وذلك ابان مناقشة الأمر المتعلق به في فيفري 1999 ( موقع مجلس النواب).
فالتحدي الذي تطرحه هذه الأغنية هو انها تستعمل نفس الميكانزمات السلفية للدعوة الي الرجوع الي "ماضي تعتبره أفضل ما كان وما يمكن ان يكون" والأغنية بذلك تعيد طرح السؤال التالي : كيف ولماذا انجبت حقبة الاستقلال ومؤسساته التعليمية شبابا يتباهي بقطيعته مع "هنا والآن " .
فالعلم الوطني مُقدس وككل مٌقدس فهو قابل للنقد بل لعله اكثر الرموز الوطنية حاجة الي النقد.فهذا العلم ، كان تاريخيا علم ملكي وقد أبقى عليه الاستعمار الفرنسي لتحالفه مع العرش الحسيني، قبيل احتلال الجزائر ( 1830 ) ولقد نسيت الجمهورية "الصُورية" التي أعلنها بورقيبة يوم 25 جويلية 1957 تحيينه وتزيينه بألوان ورموز وقيم الجمهورية فظل هذا العلم الرمز الوطني الوحيد الذي يعُود الي القرن الثامن عشر ( 1831 ) وهو العلم العربي الوحيد الذي يُذكر بقيم وحقب تاريخية مُختلفة ومتناقضة .
5. لا لسياسة المكيالين وخلط الادوار
لماذا حين تدافعون عن مشاهد الحب في السينما تحتجون بكون الإعمال الفنية لها أخلاقها ومعاييرها ولا يجب إخضاعها لذوق العامة ومرجعيات الساسة ومنطوق القوانين اما حين تقاضون أغنية راب، فيُصبح رأيكم دفاعًا عن الرموز الوطنية .
سيدي ماذا سيكون موقفكم اذا حدثت محاكمة مُغني بمُقتضي القوانين الزجرية التي تستنجدون بها، لانه روج كليب يدعو الي أفكار تحررية او غني أغاني جريئة أخلاقيا ( مثل " ما نحبوش يصلي نحبو يسكر ويغني ") أو سياسيا ؟ فهل تقبلون بتدخل القانون والقضاء والإدارة ؟
انا اعتقد ان الأغنية تظل مجرد أغنية ولن تقلب الأنظمة ولن تحدث ثورة ولن تغير التاريخ وكما دافعنا عن "أنا يوسف" يجب الدفاع عن حق اي كان في ترويج ما يُريد .
فالتاريخ هو الذي يعطي لكل ذي حق حقه والمهم اليوم هو ان يلعب كل لاعب دوره الحقيقي فتمارس الدولة دورها والناقد دوره والمغني دوره والمستهلك دوره والجمعيات والنقابات دورها وكفانا خلطا للأدوار وكفانا دفاعا عن الوطن والمكاسب والحداثة بآليات القمع وفصُول المنع .
6. من المستفيد ؟
لو كنتُ عاطلا ضائعا ابحث عن الشهرة والمال وعن قضية، لذهبتُ الي ابعد مما فعل هذا الشاب وتركت لكم مهمة الدعاية لي مُتمنيا محاكمتي او سجني .
ان "مُحاكمة" شاب من أجل أغنية، ومهما كان مضمُونها، تعد فضيحة ثقافية وسابقة خطيرة واذا كانت الأغنية سخيفة، فالمُحاكمة أكثر سخافة وهي في نهاية التحليل، دعاية مجانية قد تحول هذا الشاب الي بطل مظلوم وتجعله ضحية وهو ما سيدعمُ أطرُوحاته التي تقوم علي فرضية "المؤامرة".
ان الشباب التونسي لا يكاد يجد في الانترنات الا دعاية وحيدة لمضامين رجعية يُروج لها شقان الأول يمدحُ والثاني يشتمُ .
ان الكليب الذي قمتم بمحاكمته يطرح علي نفس الاسئلة التي تتبادر الي ذهني عند مشاهدة فيديوهات رجم النساء وقطع الرؤوس البشرية في الساحات العامة .
• هل ان نشرها يزيد في إدانتها ام يجعلها "عادية"؟
• هل ان شتمها سيجعل المؤمنين بها يخجلون ويعتذرُون ؟
• أليس في مثل هذه المحاكمات دعاية مجانية للأقلية المُتطرفة ؟ أليس في ذلك مُضاعفة لخوف الأغلبية الصامتة من "الغول الأصولي" وتشجيع لها علي ترديد " شد مُشومك لا يجيك ما أشوم" ؟
اعتقد ان من واجب المدافعين عن الحرية ان يُنتجوا ويُبدعوا ويكتبوا عن الحرية والمُتعة والجمال والحياة والحب وعن المستقبل ولا يلتفتوا الي معارك هامشية لا تخدم الا الاستبداد والوضع القائم . ان آخر قرص لانور براهم و آخر كتاب لعياض بن عاشور أكثر جدارة بالتقديم والنقد من اي كليب رجعي .
7. لدي حلم
لا أنتظر من السياسيين اي دعوة للتسامح، فدورهم يقتضي البحث عن المُزايدات وخلق المعارك الوهمية والركض وراء الشعبية الآنية ..الخ، ولكني أعتقد ان الصحفيين يمكنهم ليس فقط ان يُساهموا في فرض قيم التسامح بل ان يُوسعوا دوما من هامش الحرية الذي تتيحه الظروف السياسية والأعراف الاجتماعية والقوانين الزجرية .
فيوم يدافع الصحفي اليساري عن حق بعض التونسيين في ممارسة "رجعيتهم" التي لا تضر بالنظام العام ( مثل لبس الحجاب وإبداء آرائهم السياسية في كل المواضيع من مجلة الأحوال الشخصية الي العلم ...) ويوم يُدافع الصحفي الإسلامي عن قيم المواطنة وعن حق التونسي في التعبير عن أفكاره وممارستها في إطار القانون وان كانت ضد الفهم الشائع للدين ( من افطار رمضان في الفضاءات العامة الي زواج التونسية بمن تشاء وانتهاء بحرية الجميع في حياتهم الخاصة....)، يومها يُمكن ان أكون فخورا بالانتماء لهذا الوطن .
Lire la suite ...!