2006/02/04

Art.ci.1:Le parcours et la trace" de hedi khelil حول "المسيرة والأثر..." للهادي خليل


Le parcours et la trace" de hedi khelil
حول "المسيرة والأثر..." للهادي خليل :
السينما التونسية : السيرة والصورة.

بقلم سفيان الرقيقي
مجلة الحياة الثقافية، تونس جانفي 2004..

مقدمة

أثرى الأستاذ الهادي خليل المكتبة السينمائية بـ«المسيرة والأثرشهادات ووثائق حول السينما التونسية» وقد أكرم من خلاله و« شاكس » ثمانية عشر سينمائيا قسّمهم الى أربعة فصول "قدمت" على التوالي مخرجين ثم مُمثلين ثم مُنتجين ثم بعض قدماء من جامعتي نوادي السينما والسينمائيين الهواة .
وإضافة الى هذه «الحفريات»، ضم الكتاب خمس رسائل شكر حديثة (بن عمار/ 2002 ) وانتهي بثلاث وثائق مغمورة وتميز بنثره قرابة 130 صورة حاولت منازعة الحوارت البطولة.

I ° ) الحوارات والصور
رسمت الحوارات «صورا» متميزة عن بعض أهم الأفلام والقضايا «السينمائية» التونسية مانحة لبعض السينمائيين فرصة للتعبير عن مشاغلهم وللتجول بين "حطام" بعض الجمعيات والمؤسسات والأحلام..الخ، ولعل أهم ما يلفت الانتباه في هذا الكتاب الهام هو أن الحوارات كانت بدون صور والصور بلا "ألوان" وان الربط بينهما بدا بلا عنوان.

1. ديوان "الحوارات" الفصيحة
لقد حَرص المُحاِورُ على أن يذهب ضيوفُه الى أبعد نقطة مُمْكنة فدفعهم الى ممارسة النقد الذاتي والتحرّر من اللغة الخشبية سواء عند تقويم "السياسة السينمائية" أو "الزملاء"..الخ.
فأبرزت الحوارات «الشخصيات» من زوايا مُتعدّدة مزجت «الجزئيات» بالعموميّات والتأريخ بالنقد فزاوجت الحقيقة التاريخية وفصاحتها بوجدانية الذاكرة الشخصية وإنتقائيتها وقرّبت الحاضر من الماضي ورَاوحت بين الذاتي والموضوعي وعزفت، بحنان وحنين، على أوتار "قديمة" تم وضعها في سياق إطارها الاجتماعي والسياسي المُختلف جذريا عن الواقع الثقافي الحالي المتميز بـ« هُدوءٍ مُسَطّح» ( ص 418) يبدو أنه كان وراء تخلّي الهادي خليل ( الناقد ) عمّا دأب عليه من "وساطة " (بين الأفلام والقرّاء) ليُعبّر ( بصفته "باحثا ومفكرا" ص 139) عن ضرورة وإستعجاليّة التوقف للقيام، من خلال "مصافحة" بعض السينمائيين (وأفلامهم)، بمحاولة تحليل جانب من الثقافة التونسية المعاصرة.
ولأجل ذلك إختار المؤلف ان يكون "مباشرا" وصريحا، فلم يكتف بالسؤال الجاد والتعليق الحر والنقد الدقيق والتحليل الرشيق، وانما ذهب الي حد إطلاق "الأحكام" وإستعمال "أفعل التفضيل"، راسِما لنفسه صورة عاشق يُداعب بلا حياء وخبير « يحكم» بلا مُجاملة وناقد ذي رؤية مُتكاملة وثقافة واسعة يُحسن توظيفها خدمة للإحساس الذى يظل سلاحه الأول والأخير ضد كل من يحتمي بالتنظير .
فلقد أكد الهادي خليل وهو يُحاور السينمائيين، إضافة الى عشقه للسينما وتحمّسه الى بعض الافلام «المرجعيّة» ( "خليفة لقرع" و"العرس" و"سجنان" و"ريح السد"...وبعض الأفلام القديمة للهواة) حسّه المُرهف وخبرته العالية ودرايته المُعمّقة بالأفلام وبالواقع السينمائي التونسي، وأثبت قدرة متميّزة على التعبير عن كل ذلك من خلال الكلمات، ولكن إذا افترضنا أن توزيع محتويات الكتاب بين الصور والكلمات ليس توزيعا موكولا الى الصدفة، وإنما هو تعبير عن تصور مُعيّن، يجدر التسائل عن طبيعة حضور الصور وعن كيفية ترابطها مع "الحوارات".

2. حضور الصور
جاءت جل الصور "بعيدة" عن الحوارات وروحها، اذ بقدر دِقّة الأولى ورشاقتها وعمق معانيها وقوة شحناتها وتناسقها وتسلسلها داخل كل فصل..الخ، بقدر ما بَدت الثانية مُفكّكة و"باهتة " وعاجزة عن بَثّ ما يُمكن أن يرْتق بها إلى مجالات تعبير بكر مُنفتحة على التأويلات والقراءات المُتصلة بالرموز والدلالات الضمنية والإحالات المرتبطة بالأضواء ( والإحاسيس ) والأشكال ( والتصورات ) والمضامين ( والخطاب) والتواتر ( والإيقاع ) وبكل ما يمكن ان يربط بعضها ببعض وبالحوارات وبالكتاب ككل.
فلقد كشفت الصور عموما و"البرتريهات" بصفة خاصة عن "تقزيم" للصورة يظهر أساسا من خلال:
1. الفصل بين عالمي الحرف والضوء والحرص على تقديم الكلمة على الصورة : الشكر ( نص ) قبل الإهداء ( صورة ) والجمل الافتتاحية قبل "البرتريهات" و"الحوارات" قبل "الألبومات "...الخ.
2. اختزال وظائفها في مجرد " التقديم" ( وقد ترفّعت عنه الحوارت) وسَجْنِها في علاقة "تبعية" (للعناوين الأساسية لمضمون الحوارات !)،

وبناء على ما سبق بدا وكأن الانتقال من لغة الكلمة الي لغة الصورة إعتمد على فرضيات (ضمنيّة) نزعت عن أغلب الصور ما يفترض أن يكون بينها من "تضامن" وأبعدتها عن مجالات الإمتاع والمفاجئة وأقصتها عن المساهمة في البناء وتوليد المعاني والأحاسيس..الخ.
وعليه، فقد حضرت أغلب الصور بصفتها "وثائق" مُستقلة وليس بإعتبارها وحدات فنية وتعبيرية مُنصهرة في أسلوب متجانس وضمن حبكة تربط مختلف أدوات التعبير وجميع أجزاء الكتاب ومستواته لتعطيه وحدته وإيقاعه ولتجعل مختلف أدواته لبنات مترابطة لا مجرد مفردات متتابعة. فلقد إكتفت توطئة الكتاب مثلا، بتبرير مضمونه "المكتوب" متجاهلة الصور التي "أُبعِدت" خارج "الحوارات" و"حُوصِرت" داخل "ألبومات" لا تواصل بين مُفرداتها ولا روح في تواترها ولا "حياء" في تبجحها "عارية" (من دون امضاء !) ولا مُبرّر لإعادة نشر بعضها مرتين ! (وبنفس "التعليق" أحيانا !) ولا تفسير لتغطيتها جلَّ الاشرطة التونسية الطويلة (سواء إستُجوِبَ أصحابها أم لا ) .

فلقد كان الجسر الوحيد بين الحوارات ( بين الخليفي وبن عمار مثلا ) صورًا تقطع ولا تربط وتهدم ولا تبني ...وعلى افتراض وجود ربط ما بين كل حوار وبين ألبوم "صوره"، فان القطيعة بين كل "ألبوم صور" وبين البرتريه الموالي له كانت كبيرة .
وبخلاف الحوارات التي كان إهتمامها بكل من السينمائين وأعمالهم، متوازنا كميّا وجريئا "فكريا"، فان "الألبومات" إكتفت بصور "رسمية" عن (ومن) أفلامهم (وذهبت الي حد "استيراد" الصورة الوحيدة "غير المحافظة" من ...افريقيا السوداء ص180 !).وإذا كانت الحوارات قد منحت المخرجين مكانة هامة سواء كميا أو بفضل أسئلتها الجريئة والدقيقة، فان الألبومات غيبت صورهم مُكتفية بصورة ( في فصل المُمثلين !) لـ "أستاذ" أصبح كاتب رسائل لممثلي آخر أشرطته : "نغم الناعورة" ! الذي تقدّمت صوره، عدديا، على صور مختلف الأشرطة الأخري. فهل أن الكتاب "رفض" هذا الشريط نقدا وكرمهَ صُورا ؟ واذا كان الأمر كذلك فهل يعكس هذا "التناقض" ارتجالا في التعامل مع الصور على غرار ما قد يبدو من خلال صورة الغلاف التي تذكر بالماضي وتحيي صوره.

II ° ) أسئلة الماضي وصوره

" لونت" الغلاف صورة يتيمة يبدو انها تختزل الكتاب ومفارقاته وتحتفل بالماضي وصوره وتذكر ببعض إشكالياته.

2.صورة وأسئلة "البداية"

انطلق "جنريك" الكتاب ( الغلاف) بصورة عميقة وحيّة وجذّابة وذات مُستوات مُتعددة ...و "مُتحررة" من أي إطار يأسر روحها وشخصياتها ...وتُحيل الي مشهد ذي كثافة تعبيرية كبيرة وتتميز بشحناتها الانفعالية وبتوازن تصميمها وبدفئ إضاءتها وبتعدد إحالاتها ( شريط ومخرج ومرحلة و"موجة " ) وألغازها ( العيون غائبة ولكن جذّابة والأجساد عارية ولكن شبه مُغيّبة والصورة وحيدة ولكنها مُتضمنة لصورة أخرى...)...الخ، ولكن كيف يمكن "تأويل" هذه الصورة وفك رموزها وفهم دلالاتها وتبيّن علاقتها بالشهادات وببقية الصور وخاصة منها صورة الاهداء ؟ ولماذا تنصيب صورة تعود الي 1986 فوق « المسيرة والأثر » ؟ هل هو مجرد "تقديس" لـ "ريح السد" ؟ ألا يتعارض اختيار هذه الصورة مع المنطق الكرونولوجي الذي إنبني عليه الكتاب فجعل عمر الخليفي "فاتحته" ؟ وهل يعتبر الإكتفاء بصورة واحدة أمرا مخالفا لطبيعة العنوان والكتاب ؟ ولماذا "تفضيل" المُمثل (على المخرج ) في غلاف كتاب عن سينما تتميز بكونها سنما مؤلف ؟ وإذا كان لا بد من الإحتفال بالممثلين، لماذا اختيرت صورة هذين الممثلين من "ريد السد" بديلا عن صور "نجوم" كبيرة كرّمها الكتاب مثل مُنتج هذا الشريط ( عطية ) ومُخرجه ( بوزيد ) وبطلته (منى نور الدين) التى كان يمكن لصورتها أن تنزع عن الغلاف "رجاليته " وتحسن "تسويقه".
فهل أن في اختيار هذه الصورة احتجاجا على "الفردية"و"رفضا" لسينما التسعينات و"كفرا" بنجومها...؟ أم يُعبّر اختيارها ( عن وعي أو عن غير وعي ) عن تأزّم (مع الحاضر) وحنين ( الى الماضي ) قرّبا بين "زميلين" ( فرفط وهاشمي من جهة والناقد والسينمائي من جهة اخرى ) فوحّد نظراتهما بإتجاه الماضي وحنّطها وهي" تُصلي" حنينا الي بقاياه وتأثرا برموزه ( صُورة "الطفولة" غير المُضاءة ) والتي يبدو أنها أجّجت فيهما الرغبة في"إعادة كتابة" بعض فصول الماضي وان بأسلوبه وبأدواته وبصوره أيضا.

2. إعاة إنتاج الماضي وصوره !

لئن كانت "الحوارات" تشير الى وجود "أزمة سينما" في تونس، فان الصور تكشف أن "التفكير" حول هذه الازمة "يستبطن" بعض علاتها، فمن المفارقات ان "شريط الصور" بالكتاب يُكرّس أهم ما يعيبه المؤلف على جل الأفلام التونسية "الأخيرة" مثل : "تهميش" الصورة ( كعمل فني وكأداة تعبير ) وطغيان الطابع "الرسمي" و"اعتباطية" الربط وخَطيّة البناء والثرثرة ( التي تصل حد التكرار المجاني ) وضعف الحبكة العامة والتركيز على الماضي ( في تناول سطحي يطغي عليه الحنين )..الخ.
فصور الماضي في هذا الكتاب لا تتعلق بالماضي فقط وانما هي جزء منه ولقد كرّمها الكتاب شكلا ومضمونا على خلفية "رفض" لحاضر سينمائي إنتقدته التوطئة بقوة وغيّبته "الملاحقُ" لينفتح الكتاب وينغلق على صور قديمة تدافع عن تراث سينمائي ضخّمه بعض "العاطلين" منذ عقود ( عن العمل او عن الإبداع ) وشوّهه بعض "الشيوخ" حنينا وغرورا وقطيعة مع منطق العصر .
فالصور في هذا الكتاب، بقطع النظر عن قيمتها ومضمونها، لم تكن حلقات متداخلة أومتفاعلة تصل الماضي بالحاضر وبالمستقبل ولم تكن مُحاورة ( جديدة أو موازية ) للسينمائيين، فلقد تتالت دون ربط أو دلالات قادرة على نقلها من ضيق أفق "الوثائق التاريخية" والمذكرات الشخصية الي رحابة التعبير الفني الذي كان من المفروض أن يُحوّلها الى كم غزير من الاحتمالات والقراءات والأحاسيس المُنخرطة في تتابع بنائي يُحرك "القارئ" عبر ايجاد علاقات ( افتراضية ) بين الصور فيما بينها من جهة وبين الصور والحوارات من جهة اخرى .
فلكأن صور الكتاب رفضت ان تتحول إلى جزء من نسق شامل ومتجانس مهيأ للدخول مع الحوارات في إطار بناء أسلوب خاص يقوم على التعبير المُبدع والربط المُعبّر ويتجه بهما وبانسجام نحو مختلف أشكال ومستويات التطوير والاثراء والإيحاء والايعاز والرمز..الخ .
فإذا كان "طبيعيا" أن يُهيمن الماضي وشخصياته في كتاب عن "المسيرة"، فانه من غير المفهوم "تهميش" الصورة والقفز من المسيرة الى "السيرة" ومن الخوض في الماضي الى "البكاء على الأطلال" ومن تقديس السينما الي "تقديس الحديث" ( أي الفكر وربما الايديولوجيا ) مع تغليب الحوار الصرف ( النقل ) على حساب الوصف و"التصوير" ( الإحساس ) وتعمد الإستغناء الكلي عن أي تمهيد أو ربط أو تشويق .. لفائدة ترتيب كرونولوجي لا يعكس أي اجتهاد.
ونتيجة لهذا "الغموض"، تناول الكتاب مسيرة "السينما التونسية" بشيئ من الاطلاق وإعتمد لغة تقريرية وإتخذ الماضي موضوعا أساسيا وصوره مُنمّقات (تكاد تكون ثانوية) وسينمائييه، وليس توجهاتهم الفنية، "أبطالا" ( باستثناء جميل يتعلق بهند صبري ) ! فلئن كان من حق المؤلف أن ينس من يشاء من السينمائين المتميزين ( طارق بن عمار وناصر خمير ..) وان يتجاهل من يريد من المسؤولبن البارزين الذين "وجّهوا" السينما التونسية، فهل من حق حواراته ان تتجاهل صورها ("المصاحبة") ؟ ولماذا يقدم الكتاب الى قرائه ما يمكن تشبيهه بشريط غير متزامن التركيب (بين الصورة والصوت) ؟ !.
ومقابل ضعف "تعبير" الصور وتقطع حضورها، هيمن المؤلف على كل الحوارات من "آها الي زادها"، فلقد "ترجم" الهادي خليل الحوارات ...وبادل ضيوفَه "العتاب" وتداول مع بعضهم على "الشهادة" ( ص 139 ) مُقدّما النصائح حينا و"مُستفزا" أحيانا أخرى من خلال "أسئلة" مُحرجة جعلت بعض المُستجوَبين يلجؤون الى تبريرات وعموميات ومقارنات "سخيفة" (ص 72مثلا) حتى بدت بعض الأسئلة وكأنها "تنتقم" لناقد "مُحبط " من سينمائيين"مغرورين" !.
ولقد تضخم حضور المؤلف ( بدون صورة ) فكان المُمثل الوحيد لمهنة النقد السينمائي ( لم يستشهد بأي ناقد سواه ! ) وكان المَنفذَ الوحيدَ نحو المستقبل وتولى تقديم كتابه بنفسه وبحديث بعضه عن نفسه... وراح يسأل بعض المخرجين عن رأيهم فيما يكتب ! وبدأ هذا الكتاب بمدح كتابه القادم (!) وبالتذكير بحوارات أجراها منذ أكثر من ربع قرن !واختتمه بنقد "تضخم الأنا" لدى عديد السينمائيين التونسيين ليعود للدعاية لكتبه التي ستصدر بفرنسا !
ويجدر التذكير ان المؤلف نفسه عاتب مخرجا لإستعماله في آخر أفلامه لقطة من أحد أشرطته السابقة و"تعجب" من أن "اثنين من السينمائيين رفضا ان يُوضع اسماهما بجانب اسم عمر الخليفي" (ص 39 ) وعاب على بعض المخرجين "نرجسيتهم" وقلة انفتاحهم على المختصين ورفضهم التعاون مع "الزملاء"..الخ.
خاتمة
قد يكون "النقد" السينمائي التونسي ( وربما السينما التونسية أيضا ) بحاجة الي "لغة" جديدة ومُجددة ولكن وقبل ذلك، لا بد من العمل على ان تتعدّد مثل هذه الكتب وتتدعّم ( بصورها)، وهو ما يفرض إيجاد حلول جذرية لمشاكل النشر ( الورقي والالكتروني ) اذ لا يعقل رصد إعتمادات سنوية ضخمة لدعم إنتاج أفلام (ومسلسلات) قد تظل سنوات أو عقود في انتظار "جنون" ناقد ومخاطرة ناشر وولادة "قارئ".

Aucun commentaire: