http://www.scribd.com/doc/53154754
حصون السلام وثقافة المستقبل
ام ركاكة الإدارة وثقافة الدولة ؟
سفيان الرقيقي
بتأخير كبير صدر العدد الأول لمجلة الثقافة الرسمية ( الحياة الثقافية).
"عدد خاص" حسب ما كتبَ على الغلاف ولكنه صَدر بدون افتتاحية وبدون روح...
هذه المجلة لا تزال ترفض ان تكون في "هنا والآن " فهي لا تزال مُصِرة على إخراج ضعيف وتعامل بدائي مع الصورة والشكل...وهي مُصرة أيضا على البقاء بدون هيئة تحرير معروفة وهي تتميز ببقاء موقعها على الانترنات وفيا لبن علي اذ لا يزال يعرض في صفحته الأولى صورة بن على وبعضا من خطبه (http://www.vie-culturelle.tn/presentation.php)
المجلة لها عنوان إلكتروني وحيد لرئيس ديوان الوزير... وهي، بخلاف الصحف اليومية، لا تنشر العناوين الالكترونية للكتاب بل لا تشير الى اختصاصاتهم فجميعهم "باحثون" والحال ان بعضهم لا يبدو متمكنا من المنهجية ومن بعض المصطلحات والمفاهيم ..الخ.
"عدد خاص" ولكنه عادي وذو مستوى مُتوسط عُموما وجل المقالات كتبت بآليات الفكر السائد قبل الثورة وبعيوبه مثل الاستعلاء والنظرة الفوقية ورفض التواضع تجاه الثورة ومن صنعوها والعجز عن مُراجعة فرضيات الفكر السياسي السائد ومرجعياته العسكرية (المتمحورة حول مفاهيم مُتجاوزة مثل الزعيم واهمية دور الدولة والنخبة ...) والحديث من فوق الربوة بلغة "كيف نحيط بالشباب ونحصنه"؟ ....
مقالات اغلبها يثرثر، كما الصحف اليومية لترديد كليشيات عن ثورة لم يصنعها المثقفون ولم يفهمُوها ولا يبدو أنهم قادرون على مُواكبتها ...مقالات بلا نقد ذاتي أو مراجعة...وقد كان من الواجب الأخلاقي ان تبحث هذه المجلة في مدى تخلف النخبة (عن ثقافة الفعل الثوري لدى الشباب ) ومدى رجعيتها (مقارنة مع الحدس السياسي للجماهير) ومدى تورطها (صمتا ام مساندة) مع الدكتاتورية ولتبحث عن دورها المستقبلي ...
جل المقالات تعكس ضبابية عنوان العدد" الثورة التونسية وإعادة التأسيس"...فكيف يُمكن الجمع بين مفهوم الثورة و "إعادة التأسيس" ؟ كيف الجمع بين الإعادة والتأسيس؟ وإعادة تأسيس ماذا ؟...
ساذج جدا انا فقد انتظرت عددا استثنائيا يُوزع في كل دول العالم بلغات عديدة وحلمتُ بقرص مضغوط يُوثق لبعض أجمل صُور الثورة وأغانيها ولحظاتها...
للتذكير فقد أصدرت عدة مجلات فرنسية أعدادا خاصة بثورة تونس وخصصت كبريات الصحف في العالم ملفات خاصة عنها وقد أصدرت الصحف المصرية والمنابر الثقافية المُختصة أعدادا خاصة وهامة عن ثورتها وكنت انتظر عددا أهديه لأصدقاء في الشرق مُتعطشين للقراءة عن هذا الشعب وعن ثورته وعن شبابه..الخ.
بحثت عن مقال استثنائي ..عن قراءة جدية أو جديدة...عن مقال نقدي يصل الثورة بأصولها التاريخية..يحلل قيمها الجديدة ورموزها ويتوقف عند استثنائيتها ويُوضح ما اذا كانت هذه الثورة ستشكل قطيعة فكرية وكيف ؟ ..
حتى المقال الجيد عن الشارع (فن الشارع وثقافة الجدار ) فقد اعتبر ما حصل في تونس امتدادا لما يعرفه الفن التشكيلي عالميا ...
تذكرت مقالات تاريخية كتبت بعيد انقلاب 1987 ضد التيار مثل (" نشاز" ام زياد و"حرية شعب" الطاهر الهمامي ونقطة ظل لهشام جعيط )...اذ نحن بحاجة في هذه المرحلة الى بعض حذر ونقد وتعقل يقطعُ مع موجة من يُطبلون للثورة وللأحداث بعد وقوعها ...ونحن بحاجة الى من يرفضون التفاؤل الساذج ...ويقدمون قراءات مقارنة ورؤية مُستقبلية...
الا تستحق هذه الثورة العظيمة وهذا العدد الخاص ان تطلب الإدارة من عمالقة الصحافة والفكر والفن والأدب في تونس وفي العالم أن يخصوا المجلة بشهادات او نصوص أو أعمال يُمكن ان تشكل حدثا ثقافيا ؟...
ثم اليس اضعف الإيمان الوصف والتوثيق الجيد والجميل، اذا كانت المجلة عاجزة على ان تقدم قراءات وتحاليل جدية للثورة ؟
بعد اقل من شهر يبدأ مهرجان كان السينمائي وسيُهرول الآلاف من السينمائيين والصحفيين الى "مائدة الثورة التونسية" لاكتشاف ثقافة وصورة ما بعد الدكتاتورية فهل سنهديهم مثل هذه الانجازات العظيمة ؟
من العار على الثورة ان تبقى الثقافة بيد وزارة
ومن العار على تونس ألا تكون لها اي مجلة ثقافية غير هذه المجلة ...ومن الإجرام ان يجبر شباب الثورة للعودة الى مقاطعة الثقافة وكل ما يذكره بالدولة وبثقافتها التعيسة والكئيبة والراكدة ....
اليوم تغيرت الظروف واذا لم يُبادر أي احد او جهة الى توفير منبر ثقافي جديد وجاد ومنفتح على الجمال والشباب والمستقبل والعالم ، فان إطرافا سياسية قد تستغل هذا الفراغ لا لتبني حصون السلام بل لتدق طبول الحروب (حسب ديباجة اليونسكو : لما كانت الحروب تتولد في عقول البشر، ففي عقولهم يجب أن تبنى حصون السلام") .
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire