بعد إيقاف الأعوان والموظفين لعدد من الرؤساء المديرين العاميين عن العمل ( بلغ الي حد يوم 22 جانفي 2011 ، قرابة عشرة مسؤولين ) يطرح البعض السؤال التالي : هل يمكن ونحن نطالب بدولة القانون والمؤسسات بان نقبل بمثل هذه الممارسات غير القانونينة ؟ كيف يعزل الأعوان مسؤولا مُعينا بأمر ؟ اليس في الأفق خطر فوضي تهدد الأخضر واليابس ؟
قبل الإجابة علي الأسئلة اؤكد ما يلي
• لا يُمكن قانونا للأعوان اختيار او عزل او محاسبة اي مسؤول
• لا يُمكن سياسيا وأخلاقيا منح الجماهير الغاضبة سلطة الحكم على الأشخاص خارج إطار القانون
• ولا يمكن عزل من هو معين بامر الا بأمر
ولكن لا بد من التذكير بما يلي :
1. ان الظروف التي تعيشها البلاد ظروفا استثنائية وخطيرة وقد وصفها الرئيس المؤقت بالثورة
2. ان هذه الظروف الاستثنائية تأتي بعد أكثر من نصف قرن من القمع وعقدين من الفساد الذي نخر كل أجهزة الدولة
3. ان هذه الظروف تتطلب قرارات سريعة هدفها الوحيد حماية المصلحة العامة وهي قرارات لم تتخذ بعد فيما يتعلق بالمؤسسات العمومية الكبري بحيث اننا نعيش منذ 14 جانفي بخطاب الثورة ولكن بمسؤوليين وبعضهم أعضاء بارزين في عصابة النهب والقهر التي قامت الثورة ضدها وبعضهم الآخر متواطئ بالفعل او بالصمت
4. ان درجة الطغيان والفساد وخرق القوانين التي مارسها ولا يزال يمارسها بعض هؤلاء المسؤولين تجعل من غير المقبول تمكينهم من وقت إضافي لمواصلة مهامهم او لإخفاء بعض الوثائق.
5. ان بعض المسؤولين كان يتلقى تعليماته من الطرابلسية مباشرة وكان يتباهي بذلك وبعضهم ارتكب جرائم تحدثت عنها الصحافة الأجنبية بالطول والعرض.
6. ان درجة العنف المادي والمعنوي التي مارسها بعضهم ضد الأعوان الشرفاء وان حجم الدمار النفساني الذي تركوه لا يحتمل تأجيل قرار "تعليق نشاطهم" ولو ليوم واحد وذلك لما فيه مصلحة المؤسسة ومن أجل تخفيف التوتر وإعادة التركيز على العمل في انتظار نتائج التحقيق فهل يعقل ان يواصل السجين بعد تحرره العيش مع من عذبه ؟ ان بعض هؤلاء متهم بأنه وراء تحطيم أشخاص وعائلات وملاحقتهم حتى في حياتهم الخاصة .
7. ان ما طالب به الأعوان هو مجرد إجراء تحفظي يتمثل في تعليق نشاط بعض المسؤولين ممن يشكل مُجرد تواجدهم بالمؤسسة استفزازا للحس الوطني ولضحاياهم ولم يطلب احد من هؤلاء المسؤولين وبعضهم له ربع قرن في المسؤوليات دون اي محاسبة، ان يقدموا اعتذارات او اعترافات ولم يحقق احد معهم ولم يواجههم احد بأي حجة ولم يوجه لهم احد تهمة بعينها وجل هؤلاء لم يتواضعوا قط ليجيبوا على تساؤلات أعوانهم فكما حكم بن علي دون ان يستمع لأحد يحكم بعض هؤلاء منذ سنوات دون ان يجتمعوا قط بأعوانهم.
8. ان القوانين في نهاية التحليل هي مجرد أداة لخدمة غايات سامية وليست مُجرد نصوص جافة تطبق بسذاجة حتى وان أدي تطبيقها الي خلاف ما أعدت له .ان روح القانون اهم من نصه الحرفي والمصلحة العامة تقتضي أحيانا تأويل أو تعليق أو خرق القوانين من اجل فرض روحها وقيمها
9. شخصيا لم اسمع هؤلاء المُتحمسين لاحترام القوانين يتكلمون حين كان هؤلاء المسؤولين يدوسونها ويوزعون المال العام يمينا وشمالا ويرتكبون المخالفات المفضوحة وحين كانت الشعب المهنية ترتع في المؤسسات وتشارك في القرارات وتنشر الرعب والتقارير البوليسية وحين كان الطرابلسية يقررون كل شيء داخل بعض المؤسسات العمومية وكانوا يزورون هؤلاء المسؤولين في مكاتبهم بكل وقاحة.
10. ان بن علي لم تقع الإطاحة به بفضل انتخابات ديمقراطية ولا بفضل قوانينه اللادستورية بل تمت الإطاحة به بإضرابات اغلبها كان غير قانوني وبفضل نشر اخبار يعاقب عليها القانون التونسي الزجري وبالانتظام في جمعيات محضُورة وباحتلال الشوارع وتحدي البوليس وبشتم رئيس في حالة مباشرة واتهامه بالسرقة والفساد وبالعصيان المدني فاين هؤلاء المتحمسين للمؤسسات حين كتبت مناشدات خرق الدستور ؟.
11. ان السذاجة السياسية هي التي قضت سابقا على البلاد وان الاحترام الغبي لمؤسسات صورية هو الذي حطم المؤسسات وسلبها دورها فلا بد ان نتذكر ان كل القوانين والدساتير والمؤسسات يجب أن تكون في خدمة الشعب ولحماية المصلحة العامة ويجب خرقها كلما اقتضت الضرورة القصوى ذلك .
12. ان قائمة المخلوعين تعطي فكرة واضحة عن مدى نضج الأعوان وتؤكد اقتصارهم على حالات قليلة ومعزولة متورطة في الفساد واننا لسنا امام محاكمات شخصية او محاكم شعبية بل امام عملية واعية ومنظمة تمثل امتداد لحركة الشارع الذي رفض بن علي ورفض حزبه ثم رفض رموزه في الحكومة والآن يواصل تتبع رموزه في المؤسسات ذلك للحد من الاضرار واسترجاع ما يمكن إرجاعه من المال العام وليس من اجل التشفي او الانتقام .
13. ان رئيسا مديرا عاما يجاهر بالفساد ويضع كل من يخالفه في الفريجيدار ولا يسمي في الوظائف الا الفاسدين ويتباهي ببيع المؤسسة للطرابلسية لا يمكن ان يبق ولو يوما واحدا.
14. ان من وقع إبعادهم عن مؤسساتهم لم يمارسوا قط صلاحياتهم في اطار القانون بل كانوا فوق القانون وبعضهم ضده وقد كان بعضهم يتصرف بالنيابة وبنفس غطرسة وجشع وعنجهية المافيا الطرابلسية وهم قلة قليلة تحوم حولهم شبهات حول ارتباطهم بالعائلات الطرابلسية وحول ارتكابهم لعدة تجاوزات
15. وقع تعيينهم خارج منطق " القانون والمؤسسات" بل اعتمادا على مفهوم الولاء والخدمات
16. انهم لم يحترموا قط لا القانون ولا المؤسسات فارتكبوا جرائم وحطموا مؤسسات وقهروا العباد ولم يعرف عن احدهم احترامه للقانون او المؤسسات بل ان كل منهم كان بن علي في منصبه يعزل ويسمي حسب اهوائه وشهواته ويتصرف في المال العام كما لو كان ماله ويتعمد خرق كل القوانين والأعراف وقهر الاحرار لمجرد اظهار قوة زائفة وخدمة لصوص جشعة .
ان الرئيس المؤقت ووزيره الاول اعترف بأننا نعيش "ثورة" وقد اعترف الوزير الاول الحالي صراحة يوم 21 جانفي بضرورة تغيير بعض الرؤساء المديرين العاميين المحسوبين على الرئيس السابق ووعد بالإسراع بتغييرهم ويبدو بانه قبل بموقف الأعوان من بعض المسؤولين اذ لم يعلق على مبدأ عزلهم بل اكتفى بالتأسف على التجاوزات التي صاحبت بعض عمليات الإقالة
فكما ستضطر السلطة السياسية المؤقة وباسم المصلحة العامة الي خرق الدستور (بتمديد آجال وشروط الترشح للانتخابات الرئاسية ) فان بعض القوانين الأخرى لا يمكن احترام نصوصها حرفيا .
ففي لحظة تاريخية استثنائية تتميز بمشاهد سريالية عديدة وبخروقات دستورية وقانونية واضحة من الغباء التشبث الحرفي بالنصوص فالمصلحة العامة هي الأهم
واذكر من يتشدقون بالتمسك بالنصوص القانونية اننا نفضل روح القانون والمصلحة العامة وتقدير الظرف وبذلك فقط يمكن فهم ما يحدث اليوم من تونس فنحن لدينا رئيس مؤقت لا شرعية له ورئيس ثاني اكبر مؤسسة دستورية مطلوب لدى العدالة وفي تونس اليوم وفي ظل حضر التجول يتظاهر المواطنون ليلا وتبث التلفزة الرسمية مُظاهرات لأعوان الأمن وينشر عضو حكومة على التوتير حينيا قرارات مجلس وزاري ولدينا رئيس حكومة يبارك ثورة اطلقت حكومته عليها النار فتساقط الشهداء بالعشرات بل اننا سمعنا الحكومة تطلب من الشعب حماية نفسه من قوات الأمن اليس هذا المشهد السريالي ( وقد شاهدنا المواطنين يوقفون اعوان امن ويتثبتون من من هوية قوات الأمن ) خارج عن اي اطار قانوني اومنطقي فلماذا لا يتوقف البعض عند ويل للمصلين ؟
كفى ثرثرة قانونية فالقوانين في خدمة المبادئ والقيم ولا بد من احترامها من قبل الدولة اولا والا فسلاح الضحايا خرقها
وعوض التمسك بشكليات تافهة تجاوزتها الثورة التونسية بشكل حضاري لا بد من التفكير في اصلاح جذري لمنظومة التصرف في المؤسسات العمومية وذلك خاصة من خلال :
• فصل أجهزة التصرف عن أجهزة المراقبة داخل المؤسسات
• فتحها على الإعلام المُختص واخضاعها للمراقبة والمحاسبة
• مراجعة تأجير وشروط تعيين الرؤساء المديرين العامين وإعطائهم أكثر صلاحيات
• رد الاعتبار لكل الرؤساء المديرين العامين الشرفاء الذين تعرضوا الي عقوبات شنيعة لأنهم رفضوا خدمة المافيا
• ايقاف العمل بأوامر الابقاء بحالة مباشرة بعد بلوغ السن القانونية التي شكلت أكبر خرق سياسي لمنظومة العمل داخل المؤسسات العمومية
Lire la suite ...!