كرة القدم أم الفنون
ان كرة القدم اليوم، بفضل تلفزتها و" قمرنتها" وعولمتها، اكبر فن جماهيري وأول مصنع عالمي للانفعالات وأهم قاسم مشترك بين بني البشر .
ومن يحتقر كرة القدم وجماهيرها او يربطهما بالعنف كمن يخلط بين الدين وبين بعض من انفجروا باسمه للأسباب مُعقدة يطول شرحها ولكنها أسباب لا علاقة لها بالدين فكما الدين براء من الإرهاب فان الكرة بريئة من العنف رغم انف الصديق حسن بن عثمان ( الصباح 24 افريل 2010 ) .
ان أسباب ومظاهر العنف المادي والمعنوي لا علاقة لها بكرة القدم التي قد تلعب دورا في التصدي للاكتئاب خاصة لدي من يعيشون ظروفا صعبة ذلك ان عشاق كرة القدم يحدُوهم دوما الأمل وينظرون بتفاؤل لنهاية الأسبوع وللموسم القادم.
كرة القدم أم الفنون
قبل أن تتحولَ إلي سِياسة وتِجَارةٍ ونَخاسَة، كانتْ كرة القدم ولا تزال، مُتعة مُكثفة للمُمَارسِ وللمُشاهِدِ على السواء، وهي اليوم فنّ رفيع فيه كل تقنيات الإبداع وعناصر الخلق والابتكار ومُغريات الجمال وأطياف الإبهار ففيه " تَخْمِيرة " صُوفية ترفعُ المُتيّمَ إلي مَراتب من الأحاسيس ودرجات من الانتشاء لا يُمكن تخيلها.
فهذه اللعبة تكاد تختزلُ كل الفُنون وكل ما سبقها من ديانات وألعاب و" أفيون" وهي وان كانت تعكسُ أحيانا مظاهر جهويات وتعصّب وعُنف ...الخ، فإنها تعكسُ في نفس الوقت رقة الحضارة المُعاصرة والشوط الذي قطعتهُ الإنسانية (ولعبتها الشعبية الاولى ) من مُصارعة الحيوانات حتى الموت الي مُداعبة الكرة حتى الانتشاء ومن القتل إلى القذف ( في المرمي) كعلامة للانتصار ومن الأحمر القاني ( الدم ) الى الأخضر الجميل ( العشب ) ومن صراع فردي من أجل البقاء الي بدعة جماعية من أجل المُتعة ومن " صِدَاميّة حيوانية " بدائية إلى لعبة لها قيم وقوانين تضمنها سُلطة مُحايدة : الحكم ....الخ .
فالكرة ( ولا حاجة الي الإضافة ) تجمعُ بين المسرح وملاحمه ومُقوماته ( رونق الارتجال ومُتعة المباشر وأهمية الجمهور وأسطورية الابطال... ) وبين قوة الصورة (روعة الألوان والإشكال وحركتهما داخل الإطار...) ومُتعة الأدب ( المناخ الداخلي والانفعالات... والتشويق والبناء الدرامي والتقلبات وتغيير النسق والمراوغات..) و سطوة السينما (والوجوه وتفاعل الصوت والصورة وقيمة التوليف الجماعي على حساب اللقطات المُنفردة وأهمية الزمن ودقة التصرف فيه لترتيب حركة الكرة وما يجري خارج إطار الصورة ) وجمالية الرقص ( رشاقة التعبير الجسدي )..الخ.
وخلاصة القول ان الكرة أضحت، ونيابة عن الديانات والسياسات، تُسَكّنُ مَخاوفَ الإنسان وتختزل فنتازمات الإنسانية اذ تُـلوحُ، لا فقط بالانتصار الآني، بل بتحقيق كل المُسْتحِيلات : الشباب الدائم والحيوية غير المَحدُودة وكمال الجسم والمُورفولوجيا التي تنحنِي للإرادة البشرية ...الخ.
ولئن كانت هذه المستحيلات حاضرة في خلفية جل الرياضات ( وخاصة سباقات السرعة في ألعاب القوي ) وفي عدة أعمال وأفلام ( مثل شريط " آلهات الملاعب" 1936)، فانها اليوم مع الكرة المُتلفزة وتغير المناخ العام ( نحو أكثر فراغ وإحباط وتصحر وعنف وغياب للقيم وللنماذج الايجابية... ) تتخذُ أبعادًا خطيرة .
وعليه فاني اعجب من بلد دفع بهذا اللعبة الجهنمية إلي أبعد الحدود حتى ملأت الدنيا واحتكرت / اختزلت كل المشهد السياسي والإعلامي والاجتماعي، بلد جهز الملاعب ورصد الميزانيات وسن التشاريع وبعث المراكز المُختصة وخلق الجمعيات وعين الرؤساء ونظم البطولات وأطلق الاذاعات والتلفزات واستنفر الاعلام ....الخ، كيف ولماذا يستهتر بتفاصيل هامة في الكرة مثل التعليق وما ادراك ما التعليق ؟ فالتعليق الرياضي عموما والتلفزي بصفة خاصة يُمكن في المناخ الحالي ان يجعل نتائج تلك السياسة العمومية، عكسية.
فالتعليق في الكرة فن لا بد ان تكون له أصُوله ورُموزه وقيمه بل ونُجومه ففي الكرة أحاسيس كبيرة وانفعالات وتفاعلات فردية وجماعية غريبة ورهانات خطيرة لا يمكن ان تترك بين يدي مُعلق رياضي عادي " يُصور في خبزتو" فيقود الجماهير الي الهاوية.
فكما في كل الفنون، فان الكرة لا يُدرك كُنْههَا ولا يُمكن أن يُقدمها الا من له حد ادني من "الحس الفني" ومن العشق لسحرها المُتجدد (وهو ما نسميه في تونس الغرام او "الدُودة") والحد الادني من الوعي برهاناتها أيضا.
فكما للكرة شعريتها (جمالية المُفردة والجملة والروح العامة وتناسق الإيقاع....) و بلاغتها (ألفاظاً وتراكيب وصيغاً وأساليب..) فان للتعليق الرياضي أصوله وقيمه التي لا يُمكن الا ان تُساير شعرية اللعبة / المُباراة وبلاغتهما .
فالمُعلق الرياضي كما الإمام والزعيم يُمارس مهنة خطيرة تمزج المشاعر بالمنطق والفردي بالجماعي وتتحرك في حقول ملغُومة وعليه فالمعلق الذكي هو الذي يُركز على اللعبة وسحرها حتى وان كرهَ اللاعبين والمُسيّرين ومستوى بعض تصريحاتهم او تصرفاتهم فهو يُشيع بين الجمهور حُبه وتذوقه لللعبة ولا يُمكن له ان ينقل كل تفاهة يأتيها الجمهور وكل سخافة يقولها لاعب من المفروض الا يتكلم الا بأقدامه.
ان مسؤولية المعلق الرياضي كبيرة ولعلها أكبر من مسؤولية الحكم الذي يحاول البعض اعتباره المسؤول الوحيد عما تعيشه الملاعب من عنف .
كيف لا وقد استمعتُ شخصيا وعديد المرات لمعلقين ولاعبين دوليين سابقين بعضهم من النجوم التي حملت سنوات راية القيادة الرمزية يتحدثون بكل راحة ووقاحة عن الرشوة وشراء المباريات والألقاب ويجزمون بأمور هي قبل ان تكون ضد قيم واخلاقيات الرياضة تقع تحت طائلة القانون .
فأي معني للرياضة ولقيمها تقدمه هذه الرموز الرياضية للجمهور بمثل هذه الاتهامات التي تنسف اهم عناصر اللعبة : المصداقية ؟ واين السلطات العمومية ؟ ثم هل يظل بعد ذلك للعشق البريء للكرة أي معني؟ لماذا يدفع البعض علنا وفي وسائل الإعلام نحو تحويل الكرة الي رمز للتعسف والمحاباة والظلم واستغلال النفوذ والفساد ....؟ أين السلطة ؟ ولماذا تركت هذه الاغنية تُعزفُ لتلدَ وتُغذيَ عقلية الضحية والمؤامرة والجهويات والعنف...الخ
ان المُعلق الرياضي الذي يدفعُ نحو بعض التصريحات المُخجلة ولا يُبدي أي انزعاج او استغراب او امتعاض مما سمع من اتهامات وجرائم ترتكب في حق الكرة وتنسف مصداقية اللعبة الوحيدة التي يتعلق بها التونسيون يعتبر متواطئا .
فعن أي عشق وعن أي مُتعة وعن أي لعبة وعن أي جمهور يُمكن ان نتحدث والحالة تلك ؟
ومن يحتقر كرة القدم وجماهيرها او يربطهما بالعنف كمن يخلط بين الدين وبين بعض من انفجروا باسمه للأسباب مُعقدة يطول شرحها ولكنها أسباب لا علاقة لها بالدين فكما الدين براء من الإرهاب فان الكرة بريئة من العنف رغم انف الصديق حسن بن عثمان ( الصباح 24 افريل 2010 ) .
ان أسباب ومظاهر العنف المادي والمعنوي لا علاقة لها بكرة القدم التي قد تلعب دورا في التصدي للاكتئاب خاصة لدي من يعيشون ظروفا صعبة ذلك ان عشاق كرة القدم يحدُوهم دوما الأمل وينظرون بتفاؤل لنهاية الأسبوع وللموسم القادم.
كرة القدم أم الفنون
قبل أن تتحولَ إلي سِياسة وتِجَارةٍ ونَخاسَة، كانتْ كرة القدم ولا تزال، مُتعة مُكثفة للمُمَارسِ وللمُشاهِدِ على السواء، وهي اليوم فنّ رفيع فيه كل تقنيات الإبداع وعناصر الخلق والابتكار ومُغريات الجمال وأطياف الإبهار ففيه " تَخْمِيرة " صُوفية ترفعُ المُتيّمَ إلي مَراتب من الأحاسيس ودرجات من الانتشاء لا يُمكن تخيلها.
فهذه اللعبة تكاد تختزلُ كل الفُنون وكل ما سبقها من ديانات وألعاب و" أفيون" وهي وان كانت تعكسُ أحيانا مظاهر جهويات وتعصّب وعُنف ...الخ، فإنها تعكسُ في نفس الوقت رقة الحضارة المُعاصرة والشوط الذي قطعتهُ الإنسانية (ولعبتها الشعبية الاولى ) من مُصارعة الحيوانات حتى الموت الي مُداعبة الكرة حتى الانتشاء ومن القتل إلى القذف ( في المرمي) كعلامة للانتصار ومن الأحمر القاني ( الدم ) الى الأخضر الجميل ( العشب ) ومن صراع فردي من أجل البقاء الي بدعة جماعية من أجل المُتعة ومن " صِدَاميّة حيوانية " بدائية إلى لعبة لها قيم وقوانين تضمنها سُلطة مُحايدة : الحكم ....الخ .
فالكرة ( ولا حاجة الي الإضافة ) تجمعُ بين المسرح وملاحمه ومُقوماته ( رونق الارتجال ومُتعة المباشر وأهمية الجمهور وأسطورية الابطال... ) وبين قوة الصورة (روعة الألوان والإشكال وحركتهما داخل الإطار...) ومُتعة الأدب ( المناخ الداخلي والانفعالات... والتشويق والبناء الدرامي والتقلبات وتغيير النسق والمراوغات..) و سطوة السينما (والوجوه وتفاعل الصوت والصورة وقيمة التوليف الجماعي على حساب اللقطات المُنفردة وأهمية الزمن ودقة التصرف فيه لترتيب حركة الكرة وما يجري خارج إطار الصورة ) وجمالية الرقص ( رشاقة التعبير الجسدي )..الخ.
وخلاصة القول ان الكرة أضحت، ونيابة عن الديانات والسياسات، تُسَكّنُ مَخاوفَ الإنسان وتختزل فنتازمات الإنسانية اذ تُـلوحُ، لا فقط بالانتصار الآني، بل بتحقيق كل المُسْتحِيلات : الشباب الدائم والحيوية غير المَحدُودة وكمال الجسم والمُورفولوجيا التي تنحنِي للإرادة البشرية ...الخ.
ولئن كانت هذه المستحيلات حاضرة في خلفية جل الرياضات ( وخاصة سباقات السرعة في ألعاب القوي ) وفي عدة أعمال وأفلام ( مثل شريط " آلهات الملاعب" 1936)، فانها اليوم مع الكرة المُتلفزة وتغير المناخ العام ( نحو أكثر فراغ وإحباط وتصحر وعنف وغياب للقيم وللنماذج الايجابية... ) تتخذُ أبعادًا خطيرة .
وعليه فاني اعجب من بلد دفع بهذا اللعبة الجهنمية إلي أبعد الحدود حتى ملأت الدنيا واحتكرت / اختزلت كل المشهد السياسي والإعلامي والاجتماعي، بلد جهز الملاعب ورصد الميزانيات وسن التشاريع وبعث المراكز المُختصة وخلق الجمعيات وعين الرؤساء ونظم البطولات وأطلق الاذاعات والتلفزات واستنفر الاعلام ....الخ، كيف ولماذا يستهتر بتفاصيل هامة في الكرة مثل التعليق وما ادراك ما التعليق ؟ فالتعليق الرياضي عموما والتلفزي بصفة خاصة يُمكن في المناخ الحالي ان يجعل نتائج تلك السياسة العمومية، عكسية.
فالتعليق في الكرة فن لا بد ان تكون له أصُوله ورُموزه وقيمه بل ونُجومه ففي الكرة أحاسيس كبيرة وانفعالات وتفاعلات فردية وجماعية غريبة ورهانات خطيرة لا يمكن ان تترك بين يدي مُعلق رياضي عادي " يُصور في خبزتو" فيقود الجماهير الي الهاوية.
فكما في كل الفنون، فان الكرة لا يُدرك كُنْههَا ولا يُمكن أن يُقدمها الا من له حد ادني من "الحس الفني" ومن العشق لسحرها المُتجدد (وهو ما نسميه في تونس الغرام او "الدُودة") والحد الادني من الوعي برهاناتها أيضا.
فكما للكرة شعريتها (جمالية المُفردة والجملة والروح العامة وتناسق الإيقاع....) و بلاغتها (ألفاظاً وتراكيب وصيغاً وأساليب..) فان للتعليق الرياضي أصوله وقيمه التي لا يُمكن الا ان تُساير شعرية اللعبة / المُباراة وبلاغتهما .
فالمُعلق الرياضي كما الإمام والزعيم يُمارس مهنة خطيرة تمزج المشاعر بالمنطق والفردي بالجماعي وتتحرك في حقول ملغُومة وعليه فالمعلق الذكي هو الذي يُركز على اللعبة وسحرها حتى وان كرهَ اللاعبين والمُسيّرين ومستوى بعض تصريحاتهم او تصرفاتهم فهو يُشيع بين الجمهور حُبه وتذوقه لللعبة ولا يُمكن له ان ينقل كل تفاهة يأتيها الجمهور وكل سخافة يقولها لاعب من المفروض الا يتكلم الا بأقدامه.
ان مسؤولية المعلق الرياضي كبيرة ولعلها أكبر من مسؤولية الحكم الذي يحاول البعض اعتباره المسؤول الوحيد عما تعيشه الملاعب من عنف .
كيف لا وقد استمعتُ شخصيا وعديد المرات لمعلقين ولاعبين دوليين سابقين بعضهم من النجوم التي حملت سنوات راية القيادة الرمزية يتحدثون بكل راحة ووقاحة عن الرشوة وشراء المباريات والألقاب ويجزمون بأمور هي قبل ان تكون ضد قيم واخلاقيات الرياضة تقع تحت طائلة القانون .
فأي معني للرياضة ولقيمها تقدمه هذه الرموز الرياضية للجمهور بمثل هذه الاتهامات التي تنسف اهم عناصر اللعبة : المصداقية ؟ واين السلطات العمومية ؟ ثم هل يظل بعد ذلك للعشق البريء للكرة أي معني؟ لماذا يدفع البعض علنا وفي وسائل الإعلام نحو تحويل الكرة الي رمز للتعسف والمحاباة والظلم واستغلال النفوذ والفساد ....؟ أين السلطة ؟ ولماذا تركت هذه الاغنية تُعزفُ لتلدَ وتُغذيَ عقلية الضحية والمؤامرة والجهويات والعنف...الخ
ان المُعلق الرياضي الذي يدفعُ نحو بعض التصريحات المُخجلة ولا يُبدي أي انزعاج او استغراب او امتعاض مما سمع من اتهامات وجرائم ترتكب في حق الكرة وتنسف مصداقية اللعبة الوحيدة التي يتعلق بها التونسيون يعتبر متواطئا .
فعن أي عشق وعن أي مُتعة وعن أي لعبة وعن أي جمهور يُمكن ان نتحدث والحالة تلك ؟
Lire la suite ...!